بعد أن ضاقت الحال وعجزت مع صحبة صديقاتى المسنات على توفير ثمن وقود عرباتنا الفارهة التى تأخذ بالمئات من أجل التفويل، وارحموا عزيز قوم يعيش على معاشه!
وبما أن ارتفاع سعر الوقود جعل أصحاب التاكسيات يرفعون، ولهم الحق، ثمن التوصيلة، لم يعد أمامنا إلا العودة إلى ركوب الميكروباصات، ومن فات قديمه تاه.
فنحن جيل عاصرنا ركوب أتوبيس 57 بشرطة، من محطة قبل نهاية الخط لنحجز لنفسنا مقعد بدلا من علبة السردين، بعد أول أوثانى محطة، ومع الأسف كانت أيام السردين فيها، أقصد الركاب فيها لا يرتقون إلى نظام السردين فى علبته المرصوص صفوف صفوف، وبينهما فواصل!
فنحن كنا فى تلك الأتوبيسات غير الآدمية نترصص بالطول والعرض والورب، رأسيا وأفقيا وعرضيا وطوليا، لدرجة تجعلك تفقد توازنك، بينما تصل إلى المحطة المنشودة.
وبالتالى فنحن فى نعمة كبيرة، على الأقل لن ننحشر تلك الحشرة غير الآدمية التى كانت مثل الكابوس فى أيام طفولة الستينيات ومراهقة السبعينيات وشباب الثمانينيات، أن ركوب الميكروباص بالرغم من فقدانه أساسيات كونه وسيلة مواصلات، إلا أنه يوفر مقعدا لكل مواطن، خصوصا فى هذا الجو الجحيمى التركيبة.
وركبنا الميكروباص فى توصيلة إلى الأحفاد فى التجميع، ومعنا بقية الركاب الذين يذهبون لرعاية أحفاد الأسياد، وكل واحدة يا ويلاه تحكى قصتها مع الهانم، وسنين الهانم، ونحن نهمس بالحمد أننا لم نضطر فى شبابنا إلى العمل عند الهانم، بعد حصولنا على شهاداتنا الجامعية.
وفور أن جلست على المقعد، أخذت دوائى المسكن فى موعده، وبعد دقائق من تحرك الميكروباص أغلقت نوافذه والباب وبـُت تيار هواء منعش وممطر!
ظننت فى البداية أننى رحلت بسلام إلى الجنة، لكن المفاجأة أننى وجدت أن صاحب الميكروباص قد وضع مروحة صغيرة فوق رأس كل راكب، تهوى وتكيف نفوخه الذى تورم من وقفة الانتظار، ومنيت أن يطول الطريق من منزلى فى مصر الجديدة إلى منزل الأحفاد فى التجمع، وهمست لصديقتى متسائلة: حلم ولا علم؟!
ووجدتها ترد على بنفس التساؤل، ويبدو أن السائق سمعنا وإذا به يؤكد أنه علم، قد فعله مالك الميكروباص على سبيل الصدقة الجارية وتحسين الخدمة وأنت وذوقك يا باشا.
واستمر المشوار وطال وأنا أعيش مع أجمل لحظات بعيدا عن كل مضايقات الحرارة والمروحة الصغيرة موجهة على رؤسنا تنعش الفكر وتريح البال، لثوانى فكرت العودة معه وتأجيل ذهابى إلى الأحفاد، ولأعتبرها فسحة تهوية، وتسمرت فى المقعد وأنا أرفض التحرك حتى استيقظت على رشة مياه معدنية من زجاجة صديقتى، التى صرخت خوفا أن أكون دخلت فى حالة إغماء أو وفاة فجائية نتيجة احرارة داخل صندوق السردين الحديث المعدل، ومع الأسف كان حلما جميلا وجود مروحة صغيرة فوق رأس كل راكب على سبيل الصدقة الجارية على روح أم صاحب الميكروباص، يا سلام لو تنفذ على روح أمه وأبوه أو جده أو حتى خالته، فكرة من حلم.