وقفت كعادتى بجانب السوبر ماركت فى انتظار صديقتى، التى أصبح يصعب عليها الدخول إلى بيتنا بعد أن تحولت الشوارع الداخلية إلى محطات للركن تحت سطوة وسيطرة "بوابين المقاهى" المقاهى التى انتشرت أسفل العمارات، حتى كدت أيقن أنهم يدفعون للحى مبلغ للتصريح لهم بفتح مقهى بدلا من جراچ العمارة!
حتى كدت أرفع شعار "مقهى لكل مواطن"، فى منطقة ألماظة وإنت وشطارتك وإنت ومستوى زباينك ,ويا ويل سكان العمارات المجاورة إذا كان زباين تلك المقهى "الجراچية" الشكل واللون، من أصحاب السيارات الفايف أو السفن ستارز أم ملايين، وأم بقشيش لا يقل عن الخمسين أو المائة جنيه للمنادى، ففى تلك اللحظة يمكنه بجبروته أن يقوم بركن عربة البيه أو الهانم فى حجرة نومك فى الدور العاشر!!
ومن هنا آثرت السلامة وبدلا من معركة حورية صديقتى الصدوق مع البوابين والمناديين لكى تصل لجنابى تحت العمارة، قررت السير على الأقدام، برغم الآلام السفلية للظهر الذى انقسم عبر الزمان والوصول إلى الشارع الرئيسى بجانب صفارات إنذار ونشات المرور التى تزيح من يجرؤ أن يقف فى الرئيسى وتقوم بسحبه بعد سحله وإلقاءه فى الطريق الجانبى.
وفجأة وأثناء وقوفى فى انتظار الهانم أكثر من نصف ساعة، فوجئت بالميكروباص الطائش يأخذ نصف دايرة متحديا كل الموانع وبكل ثقة يشير إلىَّ داعيا جنابى بالركوب، وكأنه ينتقى زبائنه فى طريقه لمحطته الرئيسية.
لا أنكر أننى أعجبت بالطريقة التى دعانى بها، لدرجة أننى نسيت موعدى مع حورية التى تأتى مثل الغزال تتمخطر بعد الميعاد بميعاد.
وبالفعل ركبت معه ودفعت الأجرة قبل التحرك، ولم أسأل عن الزيادة، فقد طال الأمد بين آخر مرة وانطلق بى متشقلبا وهو ينادى الناس من على الأرصفة، "أربعة ونص" "أربعة ونص"، وهنا أفقت على النداء، فخوفى من هذا المكان يطاردنى من أيام ثورة يناير وسكان مصر الجديدة يتوجسون خوفا من هجمات سكان أربعة ونص.
ولم يستمر خوفى كثيرا، وكيف وهو بعد عدة دقائق يدخل مكان فى غاية الترتيب والوضوح، رغم كهارب الأنوار على المقاهى والورش والمنازل، لم أتزحزح من مكانى وأنا أطلب من سائق المايكروباص أن يعيدنى مكان ما أخذنى، وعدت وأنا فى قمة السعادة، فقد جددت حالة الاندهاش التى فقدتها، خصوصا بعد أن وجدت صديقتى حورية هانم كعب الغزال تقف فى انتظارى عادى جدا، بعد أن تأخرت على موعدها كالعادة.