كيف خسرت تيسلا سباق السيارات الكهربائية رخيصة التكلفة لصالح منافس غير متوقع؟

.

فوربس 7 اغسطس 2022

قبل ستة عشر عامًا، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة تيسلا، إيلون ماسك، عن هدفه المتمثل في إنتاج أول سيارة عائلية كهربائية منخفضة التكلفة. الآن، سبقته إلى تحقيق هذا الهدف جنرال موتورز.

في أغسطس 2006، قبل أن تنتج تيسلا سيارتها الكهربائية الأولى، نشر إيلون ماسك أول "خطة رئيسية" للشركة بهدف واحد: تحويل قطاع السيارات غير الصديقة للبيئة إلى قطاع صديق للبيئة عبر بيع سيارات كهربائية باهظة الثمن من شأنها أن تضمن إنتاج سيارات كهربائية أخرى بأسعار معقولة.

منطق ماسك

كتب ماسك: "عندما يشتري شخص ما سيارة تيسلا الرياضيةRoadster، فإنه في الواقع يساعد في دفع تكاليف إنتاج السيارة العائلية منخفضة التكلفة".

طرحت تيسلا منذ ذلك الحين أربعة طرازات أرخص من سيارة Roadster التي يبلغ سعرها 98 ألف دولار، والتي بدأت بها في عام 2008، ولكن لم يكن سعر أي منها مُيسّرًا أو حققت هدف ماسك المتكرر في كثير من الأحيان بأن تصبح علامة تجارية حقيقية في سوق شاملة.

بدلًا من ذلك، ظلت الشركة تركز على السيارات ذات الأسعار الباهظة، إذ تبدأ أسعار سيارات تيسلا من نحو 50 ألف دولار ويبلغ متوسط سعر بيع سياراتها 68 ألف دولار، وفقًا لشركة تقييم المركبات Kelley Blue Book. وهي أرقام أعلى بكثير من النطاق السعري الذي يتراوح بين 30 ألف دولار و45 ألف دولار الذي يعتقد معظم محللي القطاع أنه النطاق المثالي "للسيارة العائلية ذات التكلفة المنخفضة" التي تصورها ماسك، وهو الجانب الذي تغلب فيه أحد منافسي تيسلا غير المتوقعين على شركة الملياردير ماسك.

خسارة السباق

خسرت تيسلا الآن سباق السيارات الكهربائية ذات التكلفة الميسّرة لصالح شركة جنرال موتورز التي شكّلت الدافع لتيسلا بعد أن تركت مجال صناعة السيارات الكهربائية قبل 20 عامًا.

ستعرض شركة صناعة السيارات التي تتخذ من ديترويت مقرًا لها سيارتها الهاتشباك 2023 Bolt بسعر 26600 دولار فقط، وهو أقل من سعر السيارة السابقة بمقدار 6300 دولار. فيما تتمتع سيارة Bolt الكهربائية الأكبر حجمًا قليلًا بنظام صوتي متطور، ومرآة الرؤية الخلفية المستندة إلى الكاميرا، وفتحة السقف، وميزة "سوبر كروز" (Super Cruise) التي تعمل من دون استخدام اليدين للقيادة على الطرق السريعة، ويبلغ سعرها ما يزيد قليلًا على 34 ألف دولار.

وتقدم جنرال موتورز سيارة كهربائية أخرى رخيصة العام المقبل، وهي سيارة إكوينوكس Equinox الكهربائية التي تصل إلى 300 ميل لكل عملية شحن، بسعر يبدأ من 30 ألف دولار، وهو سعر يتماشى مع سيارات المنافسين التي تعمل بالبنزين مثل هوندا CR-V و RAV4 من تويوتا.

ريادة جنرال موتورز

صرّح رئيس جنرال موتورز، مارك ريوس، لفوربس، دون أن يعلّق على تيسلا: "كانت جنرال موتورز أول شركة مصنعة متكاملة تطرح سيارة كهربائية طويلة المدى وبأسعار معقولة في السوق بسياراتها الكهربائيةBolt عندما طُرحت عام 2017، ولا يزال ذلك يمثل أولوية".

يقول روس إن جنرال موتورز قررت إعادة طرح Bolt عند "أدنى مستوى سعر في السوق" كي "تساعد في زيادة مبيعات السيارات الكهربائية واستخدامها".

أسعار أقل من ذلك

ويمكن أن تصبح السيارات الكهربائية أرخص من ذلك عما قريب. إذ ينتظر التمديد المقترح للاعتمادات الضريبية الفيدرالية للمركبات الكهربائية موافقة الكونجرس  ضمن ما يسمى بقانون خفض التضخم لعام 2022.

وإذا صادق الكونجرس على مشروع القانون، فقد يخفض السعر الأساسي الفعلي لسيارة Bolt التي تتسع لخمسة ركاب إلى أقل من 20 ألف دولار من خلال ائتمان ضريبي بقيمة 7500 دولار، متاح وقت الشراء.

أسعار جنرال موتورز الميسّرة

تمتلك شركة صناعة السيارات التي تتخذ من ديترويت مقرًا لها ثلاثة نماذج للسوق العامة طُرحت في الأسواق، وهي أرخص من سيارتي تيسلا Model 3 وModel Y، وهي:

سيارة Chevrolet Bolt الكهربائية (2023)

يبدأ سعرها من 27 ألف دولار

سيارة Chevrolet Equinox (2024)

يبدأ سعرها من 30 ألف دولار

سيارة Chevrolet Blazer (2024)

السعر الأساسي: 45 ألف دولار

أهمية خفض الأسعار

يُعد خفض أسعار السيارات الكهربائية أمرًا مهمًا لأن ارتفاع انبعاثات الاحتباس الحراري يؤدي إلى موجات الحر والجفاف والعواصف الشديدة بشكل متزايد، وذلك لأن السيارات والشاحنات التي تعمل بالوقود هي المصدر الرئيسي لانبعاثات الكربون في الولايات المتحدة، إذ شكّلت أكثر من الثلث العام الماضي.

وكي يتحقق خفض الأسعار بشكل كبير، يجب الترويج للمركبات الكهربائية كي تصبح الاتجاه السائد، ويمثل جعلها في متناول المواطن الأميركي العادي الخطوة الأولى الضرورية. كما أن "حقوق التفاخر" المحتملة يمكن أن تدفع الشركات إلى خفض الأسعار.

يقول رئيس وحدة التنبؤ العالمية في شركة الأبحاث LMC Automotive، جيفري شوستر: "إن الحصول على لقب أرخص سيارة كهربائية الآن ليس خطوة تسويقية سيئة".

ويضيف: "أظن أنهم لا ينتجونها بهذا السعر من أجل الربح، بل من أجل تعزيز الوعي والحصة السوقية، ولإيجاد موطئ قدم لسياراتهم في السوق.

والأمر نفسه ينطبق على سيارة Equinox بقيمة 30 ألف دولار. إذ يتعلق الأمر بمحاولة إبراز المركبات الكهربائية بوصفها اتجاهًا سائدًا، ومن الواضح أيضًا أن هيمنة تيسلا في هذا القطاع قد بدأت تضعف".

ويشير إلى أن "جنرال موتورز كانت أول شركة مصنعة متكاملة تطرح سيارة كهربائية بأسعار معقولة في السوق عندما طرحت سيارتها الكهربائية Bolt في عام 2017، ولا يزال ذلك يمثل أولوية".

تكاليف المواد الخام وأشباه الموصلات

تبدو تحركات أسعار شركة صناعة السيارات التي تتخذ من ديترويت مقرًا لها قوية بصفة خاصة بالنظر إلى أن الزيادة في تكاليف البطاريات وأشباه الموصلات والمواد الخام والمكونات الأخرى اللازمة لتصنيع المركبات قد أدت إلى ارتفاع الأسعار الإجمالية للسيارات، لا سيما فيما يتعلق بالسيارات الكهربائية.

إذ بلغ متوسط تكلفة السيارة الكهربائية الجديدة أكثر من 66 ألف دولار في يونيو، وفقًا لشركة تقييم السيارات KBB، ويعزى ذلك بصفة أساسية إلى ارتفاع حجم مبيعات تيسلا في الولايات المتحدة، إذ رفعت الشركة الأسعار بشكل كبير هذا العام، مشيرة إلى الضغوط الناجمة عن التضخم، ولم تذكر توقيت خفض الأسعار أو ما إذا كانت ستخفضها.

ارتفاع أسعار تيسلا

قال ماسك خلال إعلان أرباح تيسلا في الربع الثاني من العام: "لقد رفعنا أسعارنا عدة مرات، وقد بلغت الأسعار بصراحة مستويات محرجة، ولكن تواجهنا أيضًا الكثير من تحديات سلسلة التوريد والإنتاج ونعاني التضخم الهائل. أنا متفائل، هذا ليس وعدًا، لكنني آمل أنه في مرحلة ما، يمكننا خفض الأسعار قليلًا".

فيما لم يرد ماسك ولا تيسلا على طلبات من فوربس للتعليق على أسعار جنرال موتورز.

التأثير في تيسلا

من الجدير بالذكر أن تيسلا لا تهتم على ما يبدو بخسارتها السباق على السيارات الكهربائية ذات الأسعار المعقولة، وفي الوقت الحالي فإن ذلك لا يهمها من الناحية المالية.

استطاعت شركة ماسك التي تتخذ من أوستن بتكساس مقرًا لها، تحقيق 2.3 مليار دولار من صافي الدخل في الربع الثاني من العام على الرغم من خسائر الإنتاج الكبيرة بسبب الإغلاق المتعلق بكوفيد في الصين، التي تمثل مصدر ربح تيسلا الرئيسي.

وبفضل أسعارها المرتفعة، تتمتع الشركة بهوامش ربح تحسدها عليها شركات صناعة السيارات التقليدية الأكبر حجمًا.

في النصف الأول من العام، سجّلت تيسلا ربحًا إجماليًا على أعمالها في مجال السيارات بنسبة 30.6%. وبالمقارنة، بلغ ربح جنرال موتورز المعدل بعد احتساب الأرباح قبل الفوائد والضرائب لعملياتها الإجمالية 8.9%.

ولأن الشركة لا تزال تشهد ارتفاعًا في الطلب على مستوى العالم، لا سيما على طراز Y الذي يبلغ سعره 66 ألف دولار، فإنها تستخدم معظم طاقتها الإنتاجية الحالية في المصنع لتلبية ذلك الطلب، إذ إنها لا تعاني إلا القليل من الضغوط لإضافة طرازات أرخص.

يقول مهندس بطاريات تيسلا السابق جين بيرديشيفسكي، الرئيس التنفيذي لشركة Sila "بيع الكثير من السيارات بسعر مرتفع للغاية أو مربح للغاية لا يمثل مشكلة لشركة تصنّع السيارات". ويضيف: "هذا يخلق شيئًا يريده الناس فعلًا، إنها تشبه الطريقة التي يشتري بها الناس iPhone مقابل أي هاتف آخر. إنهم يريدون ذلك على الرغم من أنه يكلف أكثر".

الأداء الرفيع والسرعة والتقنية المتطورة

منذ وصول سيارة تيسلا Model S قبل عقد من الزمن، عمل ماسك على أن يقترن اسم العلامة التجارية بالأداء الرفيع والسرعة والتقنية المتطورة، مثل التحديثات اللاسلكية التي تتيح للمركبات الحالية اكتساب أنواع جديدة من الميزات وميزة الطيار الآلي لمساعدة السائق (التي لا تفعل ما يوحي به الاسم وقد واجهت مشكلات تنظيمية).

هذه هي الأشياء التي تُميّز سيارات تيسلا، وتُعزّز من جاذبيتها وتساعدها على حصولها على أسعار مميزة.

لكن الأسعار الباهظة لن تؤدي إلى هذا النوع من الاستخدام الجماعي للمركبات الكهربائية الذي لطالما أشار إليه ماسك بوصفه هدفًا لتيسلا.

ضحية النجاح

ووفقًا للرئيس التنفيذي لشركة Fisker Inc، هنريك فيسكر، المصمم المخضرم الذي صمّم سيارات باهظة الثمن لشركات BMW و Aston Martin ولتيسلا لمدة وجيزة، قد تكون شركة ماسك الآن ضحية لنجاحها.

إذ يقول: "من الصعب جدًا على شركة سيارات فاخرة أن تصنع سيارة رخيصة". ويضيف: "من السهل أن نبدأ بالعكس".

سيارة Bolt

بالتأكيد، لن تصنف سيارة Bolt من جنرال موتورز بصفتها سيارة فاخرة. وقد طُرحت السيارة في أواخر عام 2016، وصُنّعت في أوريون بولاية ميشيغان، باستخدام منصة مركبة صغيرة أنشأتها وحدة جنرال موتورز في كوريا الجنوبية.

من حيث التصميم، فهي سيارة جميلة في أحسن الأحوال، لكنها ليست جاذبة للغاية، وتتسم بالطابع العملي. أما تسارعها فهو مفعم بالحيوية واندماجها على الطريق السريع فهو في غاية السهولة.

على الرغم من تصنيفها سيارة صغيرة الحجم، إلا أن مقصورتها فسيحة، خاصة بركاب المقعد الخلفي، ويمكنها حمل قدر أكبر من الأشياء عند طي المقاعد الخلفية للأسفل.

وقد حصلت على لقب سيارة العام في أميركا الشمالية عام 2017، إذ بيعت نحو 23300 وحدة منها في الولايات المتحدة في ذلك العام، ما يجعلها ثالث أفضل سيارة كهربائية مبيعًا بعد سيارتي تيسلا Model S و Model X.

طراز أحدث من سيارة Bolt

أعيد تزويد السيارة بقدر أكبر من الأدوات وتحديثها في أواخر عام 2020، وكانت بدايتها قوية قبل أن تؤدي البطاريات المعيبة التي وفرتها LG إلى عمليات استرجاع لعدد من السيارات في عام 2021.

وافقت شركة الإلكترونيات على دفع نحو مليارَي دولار لشركة جنرال موتورز بسبب هذه المشكلة، وبعد توقف المبيعات والإنتاج لمدة شهور، طُرحت مجموعة جديدة هذا العام. ونتيجة لذلك، يبدو خفض أسعار جنرال موتورز مرتبطًا بمشكلة البطارية بقدر ما يبدو أنه خطوة تسويقية ذكية.

وعلى الرغم من أن حجم Bolt وتعدد استخداماتها يجعلها وسيلة جذابة لسكان المدن، إلا أنها تفتقر إلى الحجم الكبير وقوة سيارات الكروس أوفر والشاحنات الصغيرة التي لا يستطيع الأميركيون التوقف عن شرائها (على الأقل عندما كان البنزين رخيصًا).

أفضلية Bolt في أوروبا

قال المدير التنفيذي للتصميم في جنرال موتورز، مايكل سيمكو، الذي أشرف على تصميم سيارة Bolt: "كان من الممكن أن تعمل بشكل أفضل في أوروبا مما كانت عليه هنا لأن السوق في أميركا الشمالية يبحث دائمًا عن سيارات الدفع الرباعي".

لكن سيارة Bolt ليست سوى الطلقة الافتتاحية في معركة المبيعات والتفوق على تيسلا وتوسيع سوق السيارات التي تعمل بالبطاريات.

فيما يُدرج طرازا Equinox وBlazer الأكبر حجمًا، واللذان سيُطرحان عام 2023، وهما أغلى قليلًا من Bolt، بشكل مباشر في السوق العامة التي تتمتع فيها سيارات الكروس أوفر متوسطة الحجم برواج كبير.

وسيبلغ مدى القيادة فيها 300 ميل أو أكثر لكل عملية شحن واحدة باستخدام بطاريات الشركة منخفضة التكلفة وهندسة كهربائية أخف وزنًا وأرخص تكلفةً.

وستُطرح قريبًا سيارة بيك أب كهربائية من نوع سيلفرادو، بسعر يبدأ من 40 ألف دولار، لتنافس سيارة فورد F-150 التي يبلغ سعرها 40 ألف دولار وسيارة تيسلا Cybertruck المرتقبة بشدة.

في نهاية المطاف، تنتج جنرال موتورز سيارات كاديلاك وهامر كهربائية فاخرة تباع بأكثر من 100 ألف دولار ستُطرح في السوق.

نظام Ultium

تستخدم جميع هذه المركبات نظام Ultium الجديد من جنرال موتورز الذي يجمع بين بطارية ذات طاقة أعلى وتكلفة أقل، ومحرك وهيكل أخف وزنًا صُنّع خصيصًا للطرازات الكهربائية.

وتشكل هذه السيارات مجتمعة، في نهاية الأمر، جزءًا من هدف الرئيس التنفيذي ماري بارا المتمثل في بيع مليون مركبة كهربائية سنويًا بحلول عام 2025.

يقول رويس: "تساعد التطورات الحديثة في تكنولوجيا بطاريات أيونات الليثيوم وأعمال التطوير في جعل المركبات الكهربائية التي تقطع مسافات طويلة وبأسعار معقولة مع تصميم وأداء رائعين حقيقة واقعة".

ويضيف: "عندما يتمكّن المزيد من العملاء من تجربة مزايا المركبات الكهربائية - بدءًا من الشحن المنزلي إلى التسارع الفوري والقيادة الممتازة وانعدام الانبعاثات - فلن يعودوا إلى الوراء".

منافسون آخرون

من الواضح أن جنرال موتورز ليست وحدها في استهداف قطاع أوسع من السوق الأميركية. إذ تبدأ أسعار العديد من موديلات السيارات، بما في ذلك سيارتا فورد F-150 Lightning وMustang Mach-E وسيارات الدفع الرباعي الكهربائية الصغيرة من فولكس فاجن  وهيونداي وكيا وتويوتا وسوبارو وشركة Fisker Inc الناشئة، من 30 ألف دولار إلى 40 ألف دولار.

يعتقد بيرديشيفسكي، الذي عمل على تصنيع بطاريات تيسلا الأولى قبل بدء شركته الخاصة، أن شركات صناعة السيارات الكبرى تحاول الوصول إلى أسعار منخفضة بسرعة كبيرة، نظرًا للطلب المتزايد على البطاريات وقلة الإمدادات منها.

وأوضح: "إذا كان ما تحاول فعله هو إنشاء عمل مستدام ومتسارع، فإنه يلزمك تحقيق الربحية في كل سيارة تشحنها وفي كل بطارية يمكنك الحصول عليها". ويضيف: "من الخطأ طرح السيارة في السوق قبل أن تصبح سلسلة التوريد جاهزة".

اخبار جوجل تابعوا صفحتنا على أخبار جوجل

الاخبار الرئيسية