لعل من ابرز القيم التى تثير الاعجاب والدهشة لدى الاجانب فى ثقافة اليابانيين ، هى قدرة هذا الشعب العريق على العمل الجماعى او العمل بروح الفريق ، وهى ميزة لاتتمتع بها كثير من الشعوب حتى الاسيوية منها !
ففى معظم دول العالم التى مثل اليابان التى بنت حضارتها على الزراعة ، مثل مصر او العراق او غيرهما ، تسود الفردية والعمل الفردى وليس العمل الجماعى ، ولاتلجأ شعوبها الى العمل الجماعى الا وقت تعرض البلاد الى محنة او كارثة تصيب الجميع بالاضرار ، ويعتقد بعض علماء الحضارات ان مشروعات الرى وتخزين المياة على نطاق واسع فى مصر والعراق وسوريا واليمن ، والصين ساهمت فى ظهور نظم حكم سلطوية قوية ، غير ان زراعة الارز التى بدأت فى اليابان قبل نحو 300 عام قبل الميلاد على مساحات صغيرة من الارض الصالحة للزراعة فى الوديان الصغيرة بين الجبال والمغمورة بمياة الامطار التى لاتتوقف طوال العام ، ادت الى ظهور الحاجة الماسة الى التعاون الوثيق ببن مجتمعات زراعة الارز لتخزين مياة الامطار تقاسمها للحصول على انتاجية جيدة من محصول الارز الذى ظل الغذاء الرئيسى لليابانيين قرون طويلة حتى انفتاح اليابان على العالم عام 1854. وادى هذا التعاون الذى استمر لقرون طويلة - كما يقول ادوين ريتشاور ، الخبير الامريكى فى الشأن اليابانى - الى جعل اليابانيين اكثر ميلا للذات الجماعية والعمل معا بروح الفريق ،
كما ادت زراعة مساحات الارز الكثيفة فى الوديان الصغيرة بين الجبال الى تركيز اكبر للسكان الذين يعيشون معا مما ادى الى تعميق استعداد اليابانيين الفطرى للعمل الجماعى وتطوير ثقافة ومهارات العمل بروح الفريق . فضلا عن ان اليابانيين يتميزون بالوحدة والتجانس الفريد الذى ربما لايوجد له نظير بين شعوب العالم الاخرى ، على الرغم من التقسيم الجغرافى الصعب لليابان ، حيث تفصل الجبال والهضاب بين الاقاليم المختلفة فصلا قاسيا احيانا ، الا ان اليابانيين يرون انفسهم على مدى قرون مضت وحتى الان « شعبا واحدا يعيش فى ظل امة متحدة»
وهكذا اعتاد اليابانيون على عمل الفريق وليس العمل الفردى كما هو الحال فى الغرب ، فالنجاح يحصد ثمارة الجميع والفشل يتقاسه الجميع . ومنذ سنوات الطفولة الاولى يتعلم اطفال اليابان العمل الجماعى ، وبعد التحاقهم بالشركات او الوزارات تترسخ لديهم ثقافة العمل فى اطار الفريق حيث يكمل كل منهم عمل الاخر ولا يكرره ..
