يجب أن لا ينزعج الكثيرون الذين يرون إننى قد تبنيت فى هذا المقال رؤية سلبية لمستقبل صناعة السيارات فى مصر وذلك بعد قراءتي وتحليلي لما يعرف برؤية مصر 2030وإستراتيجية التنمية المستدامة وأعترف أنني عجزت عن بلورة رؤية متفائلة إذ أن ذلك لا يتناغم مع الواقع المصري والحقائق التي يشهدها عالم صناعة السيارات فى العالم.يجب الإقرار أن صناعة السيارات فى مصر تعد الأكثر رسوخا فى بلدان جنوب البحر المتوسط حيث تم إنشاء أول مصنع سيارات فى أفريقياعام 1960جنوب القاهرة بإمكانيات تعد الأفضل اعتمادا على التكنولوجيا التى كانت تسود العالم فى تلك الحقبة من الزمن.
لم يعمل مصنع السيارات المصري بالأسس الاقتصادية السليمة سواء فى توصيف وتوظيف الموارد البشرية أو فى اقتصاديات الإنتاج أو فى تبنى إستراتيجية واضحة المعالم لهذه الصناعة.
والحق أقول أننا نظلم الرواد الأوائل الذين أداروا هذه الصناعة فى حقبة الستينات من القرن الماضى إذا حملناهم مسئولية ما وصلت إليه هذه الصناعة ولكننا بكل الصراحة والشفافية نحمل الدولة المصرية و التى تدخلت فى تقرير سياسات التسعير للمنتجات وكذلك التى كانت تفرض على الشركة أعدادا هائلة من العمالة غير المؤهلة وصلت إلى تكليف الشركة باستيعاب أكثر من 18000عامل فى حين أن العمالة الأمثل كانت 5000عامل وكذلك كانت الدولة تفرض سعر البيع بأقل من نصف تكلفة الإنتاج وسمحت للشركة بالاقتراض من البنوك الوطنية بلا حدود وبدون دراسات جدوى حقيقية.
اعتمدت الدولة سياسة الأبواب المغلقة أمام السيارات المستوردة لحماية المنتج المحلى لفترة طويلة وفى عام 1985والذى كان بداية دخول الشركات الأجنبية فى تجميع السيارات بدأت سياسة حماية المنتج المحلى بتخفيض الجمارك على المنتج المصري مقابل فرض ضرائب باهظة على السيارات المستوردة.
ويعتقد الخبراء أن هذه السياسة الحمائية كان لها آثار سلبية وخيمة على تطور صناعة السيارات فى مصر وكان من الضرورى وضع سياسة لتقليص هذه الإجراءات لتنتهى خلال 10 سنوات أى بنهاية عام 1995 ولكن ما حدث قد حدث.
يمكن القول أنه بدءا من نهايات الألفية الثانية بدأت سياسات تحرير التجارة العالمية والتى أسهمت فى هجرة الصناعات الملوثة والصناعات الثقيلة وتلك التى تعانى من انخفاض القيم المضافة من الشمال إلى الجنوب وتعددت اتفاقيات الشراكة والمناطق الحرة بين مصر ودول حوض البحر المتوسط وكذلك مع مجموعة أغادير ودول الكوميسا وكان من الضرورى أن تكون صناعة السيارات المصرية هى أحد أهم المستفيدين من تلك الاتفاقيات ولكن أفلتت هذه الفرص الذهبية من مصر وذلك بتركيز النخبة من مصنعى السيارات فى مصر على مطالبة الدولة بزيادة الحماية على منتجاتهم غير مبالين بفكر التصدير وكذلك عدم الاهتمام بالتطوير وتطبيق معايير الجودة والالتزام بالمواصفات القياسية.
من المؤسف أن مجتمع صناع السيارات فى مصر لم يتنبه إلا متأخرا إلى أن إتفاقية الشراكة الأوروبية وكذلك التجارة الحرة مع تركيا بالإضافة إلى مجموعة أغادير تفرض إلغاء الجمارك على السيارات بين الأطراف الموقعة على الإتفاقيات ولايزال حتى الآن يبحث عن حوافز للإستمرار فى تجميع السبارات بنفس النهج الذى تتبعه منذ أكثر من 20 عاما.
إن صناعة السيارات فى مصر لاتمتلك المقومات التى ترشحها لإحتلال مكانة متقدمة فى الفكر الإستراتيجى حتى عام 2030وذلك لإفتقارها إلى القدرة على إسٍتيعاب عمالة كثيفة و:ذلك عدم توفير قيمة مضافة حقيقية للإقتصاد القومى ويجب أن لا تلام الدولة على هذه الرؤية بل المسؤل هو النخبة الصناعية المصرية أحادية التوجه.
أن سوق السيارات المصرى يتقلص ويتأثر سلبيا بأى هزة إقتصادية أو إجتماعية وما نراه من إنهيار السوق هذا العام مؤشر صادم يجب الإلتفات إليه وأرى أن الوقت ينفذ من أيدينا وليس أمامنا إلا أن نتخذ خطوات جادة وحتى لوكانت قاسية لإستعادة التوازن لسوق السيارات ووضع صناعة السيارات على أولويات الصناعة المصرية بفكر مغاير تماما لما درجنا عليه طيلة السنوات السابقة.