في واحدة من أكثر خطواته جرأة منذ سنوات، أعلن إيلون ماسك أخيرًا أن شركة "تسلا" ستطلق أول خدمة سيارات أجرة ذاتية القيادة في مدينة أوستن الأمريكية، بدءًا من 22 يونيو الجاري.
الإعلان، الذي طال انتظاره، يأتي في توقيت بالغ الحساسية، بعد أن عصفت عاصفة سياسية بعلاقة ماسك مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وأثرت بشدة على صورة الشركة في الأسواق. فهل تنجح هذه الخطوة في استعادة ثقة المستثمرين وإعادة "تسلا" إلى واجهة الابتكار؟
إطلاق محدود.. وطموح لا يعرف الحدود
تبدأ الخدمة الجديدة بأسطول صغير من 10 إلى 20 سيارة فقط، في نطاق جغرافي محدود داخل مدينة أوستن. ورغم أن الإطلاق يوصف بأنه "عرض تجريبي متقدم"، إلا أنه يشكل بداية فعلية نحو مشروع ماسك الأكبر: شبكة نقل تعتمد بالكامل على السيارات ذاتية القيادة، بدون سائقين أو حتى عجلة قيادة. ويخطط ماسك لتوسيع الأسطول تدريجيًا، حتى يصل إلى مئات الآلاف من المركبات بحلول عام 2026، مستندًا إلى تقنية القيادة الذاتية الكاملة الخاصة بـ"تسلا".
جدل سياسي وتأثير مباشر على السهم
ما يزيد من تعقيد المشهد أن الإعلان جاء مباشرة بعد سلسلة منشورات مثيرة للجدل كتبها ماسك، عبّر خلالها عن "ندمه" تجاه بعض تصريحاته السياسية المتعلقة بترمب. هذه التصريحات، رغم أنها ساهمت مؤقتًا في ارتفاع سهم "تسلا" بنسبة 3%، كشفت عن هشاشة الوضع النفسي العام للمستثمرين ومدى ارتباط صورة ماسك الشخصية بمستقبل شركته. التوتر السياسي لا يُعد مجرد خلاف عابر، بل يُهدد مستقبل علاقات "تسلا" مع الحكومة الأميركية، التي تعتبر شريكًا رئيسيًا في دعم مشاريعها من خلال العقود الفيدرالية والتشريعات التنظيمية.
تكنولوجيا "تسلا".. الرؤية وحدها لا تكفي؟
بعكس منافسيها مثل "وايمو" و"زوكس"، التي تعتمد على أنظمة متطورة تشمل الرادارات والليدار والخرائط الدقيقة، تعتمد "تسلا" فقط على الكاميرات وتقنيات الرؤية الحاسوبية. هذا النهج يُخفض التكاليف بشكل كبير – حيث لا تتعدى تكلفة النظام الواحد 400 دولار – لكنه يثير مخاوف بشأن الكفاءة في ظروف الرؤية الصعبة مثل الضباب أو الغبار. وفي الوقت الذي تكلف فيه تجهيزات "وايمو" نحو 9300 دولار لكل سيارة، تراهن "تسلا" على التوسع السريع بدلاً من الدقة الفائقة.
المنافسة تشتد.. وأوستن تتحول إلى حقل تجارب
مدينة أوستن أصبحت مركزًا رئيسيًا لتجربة المركبات الذاتية. إلى جانب "تسلا"، تُشغل "وايمو" بالفعل أسطولاً يضم نحو 100 سيارة، وتُخطط لتوسيعه بالتعاون مع "أوبر". كذلك، تُجري "فولكس فاجن" و"أمازون" اختبارات ميدانية لمركباتهما الذاتية في نفس المدينة. وتستفيد جميع هذه الشركات من البيئة التنظيمية المرنة في ولاية تكساس، التي لا تُلزم السيارات الذاتية بالحصول على التراخيص نفسها المفروضة على سيارات الأجرة التقليدية.
تحديات السلامة لا تزال قائمة
رغم الحماس، إلا أن السلامة تظل مصدر القلق الأكبر. فقد شهدت خدمات السيارات الذاتية حوادث بارزة، كان آخرها في سان فرانسيسكو، حيث تسببت سيارة تابعة لشركة "كروز" في إصابة أحد المشاة بجروح خطيرة. كما تكررت الأعطال التقنية والاختناقات المرورية التي تُثير التساؤلات حول جاهزية هذه الأنظمة للعمل الفعلي في المدن المزدحمة. وفي أوستن، لا تزال "تسلا" تُجري التنسيق مع فرق الطوارئ ولم تستكمل بعد تدريبات الطوارئ أو تقديم دليل استجابة متكامل.
تآكل الثقة في العلامة التجارية
تأتي هذه المبادرة بينما تتعرض "تسلا" ومالكها لحالة من الانقسام في الرأي العام. فشخصية ماسك المثيرة للجدل، إلى جانب معاركه السياسية والإعلامية، ألقت بظلالها على العلامة التجارية للشركة. يرى خبراء التسويق أن بناء الثقة في سيارات أجرة دون سائق يتطلب مستوىً أعلى من المصداقية والهدوء، وهي أمور تبدو بعيدة عن سلوك ماسك الأخير. كما أن شريحة كبيرة من الجمهور لا تزال مترددة في تبني هذا النوع من النقل، خاصةً في ظل بدائل أكثر استقرارًا.
سهم "تسلا" في مهب الريح
انعكس كل ذلك بوضوح على أداء سهم "تسلا"، الذي تراجع بنحو 20% منذ بداية العام. وقد خفض محللون تقييماتهم لسهم الشركة، محذرين من المبالغة في تقدير جاهزية مشروع سيارات الأجرة الذاتية. ورغم وعود ماسك المتكررة، فإن التنفيذ العملي يبدو معقدًا وبطيئًا، وسيحتاج لفترة طويلة من التجربة والتطوير، وربما المواجهة مع المشككين والهيئات التنظيمية.