رغم المطالب المتكررة من الركاب، لا يزال بعض سائقي الميكروباصات يُصرّون على إشعال السجائر داخل الكابينة، متحججين بحجج واهية، مثل إخراج اليد من الشباك أو فتح النوافذ، في مشهد يتكرر يوميًا ويثير استياء الكثيرين، خاصة من المرضى وكبار السن والأطفال. وتتحول هذه الممارسات، التي تُعدّ مخالفة صريحة للقانون، إلى انتهاك لحق الركاب في بيئة نظيفة وآمنة، بل واعتداء على الصحة العامة.
وفي هذا السياق، حسم الدكتور فتحي الفقي، أستاذ الفقه المقارن وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، الجدل الشرعي حول هذه الظاهرة، مؤكدًا أن التدخين داخل وسائل النقل العام "حرام شرعًا"، لأنه يسبب أذى للآخرين، وهو ما نهى عنه الإسلام في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار".
التدخين السلبي.. وإثمٌ لا يسقط بالتجاهل
وأضاف الدكتور الفقي أن السائق الذي يشعل سيجارته داخل الميكروباص، ثم يدّعي أنه "يُخرج يده خارج الشباك"، ينسى أنه يُجبر من حوله على استنشاق الدخان بشكل سلبي، مشيرًا إلى أن هذا السلوك يُحمّله وزر أذى الآخرين، مستشهدًا بقول الله تعالى:
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب: 58].
وأكد أن الوضع يزداد سوءًا في فصل الشتاء، حيث تُغلق النوافذ، ما يُحول كابينة الميكروباص إلى غرفة مغلقة مشبعة بالدخان، دون أي منفذ للتهوية، مما يزيد من خطورة التدخين السلبي على الركاب.
سلوك أناني ومرفوض شرعًا ومجتمعيًا
ووصف الدكتور الفقي هذا التصرف بأنه من أسوأ السلوكيات، ويعكس درجة من الأنانية وغياب الوعي المجتمعي، إذ يفضّل السائق "مزاجه" على صحة الركاب، متجاهلًا القيم الإسلامية التي تدعو إلى الرحمة والتكافل، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".
دعوة لتغليظ العقوبة وتفعيل الرقابة
وطالب الفقي بتغليظ العقوبات القانونية، مؤكدًا أن الغرامة الحالية التي لا تتجاوز 200 جنيه غير كافية للردع، داعيًا إلى تفعيل أدوات الرقابة في وسائل النقل العام، وتطبيق القانون بصرامة، إلى جانب إحياء الوازع الديني والضمير، الذي أصبح في بعض الحالات لا يتحرك إلا مع الخوف من العقوبة.