لو لم أكن أنا لتمنيت أن أكون هو؟
كنت فى طفولتى أعشق ركوب الدراجات وكانت الشوارع فى منطقة مصر الجديدة وخاصة ألماظة، تماما مثل شوارع الدائرى والقطامية مع إضافة انعدام وجود كائن أيا كان يمشى فى تلك الشوارع إلا غفير المنطقة بالبندقية التقليدية تبعه وأحيانا بطربوش وكأننا فى فيلم عربى أبيض واسود، برغم أننا كنا فى أواخر الستينيات من القرن الماضى.
وهنا كانت الفرصة سانحة لإعادة التدريب أولا بأول على ركوب الدراجة التى كنت أقوم بها بمساعدة والدتى فى شراء احتياجاتنا من السوق البعيدة، وكانت فرصة طبعا للعب بالدراجة فى الذهاب والإياب.
وبعد عام أو اثنين استطعت الوصول إلى مدرستى بالدراجة، وبتلك الطريقة لم يعد ركوبها مجرد لعبة أطفال، بل وسيلة لقضاء احتياجات المنزل ووسيلة مواصلات للذهاب إلى المدرسة وتوفير ثمن اشتراك الأتوبيس المدرسى بالطبع، تمنيت أن تستمر حياتى مثل الأجانب وأنا أراهم فى رحلاتى الصيفية إلى أوروبا واستخدام الموظفين وطلبة الجامعة للدراجة كوسيلة مزدوجة لقضاء الحاجة والمواصلات وكوسيلة نافعة جدا لممارسة الرياضة ذهابا وإيابا.
لكن مع الكبر فى السن فى مصر، وأى بلد شرقى فى هذه الفترة، كان من رابع المستحيلات الاستمرار على هذا المنوال، خاصة بعد أن جربت ركوب الموتوسيكل وراء أخى، على أمل الاستمرار، إلا أننى وجدته أداة قد تؤدى بك لارتكاب حوادث موت.
ودارت الأيام وكنت كلما سافرت للخارج تحسرت على قدرتهم تحديد مسارات للموتوسيكلات، بل والدراجات، وظلت أمنيتى دون أمل لتتحقق على الأقل فى العصور الوسطى الماضية التى يمكن أن تتحقق فيها الأمانى.
ودارت الأيام دورة ثانية وثالثة ورابعة، ووجدت الفتيات الصغيرات فى المملكة المغربية خاصة المحجبات منهن، بل والمنتقبات يستخدمن الإسكتور كوسيلة مواصلات لمدارسهن وجامعاتهن بل وأشغالهن.
وعندما عدت وكأنه "ترند" أصاب فتيات هذا الجيل ومن قبل ومن بعده وجدت العديد من الفتيات الصغيرات فى القاهرة يرتدين الخوذة ويسيرن فى الشوارع المكشوفة بمنتهى الثقة والإرادة.
ووجدتنى أحاول تقليدهن على أمل التخلص من عبء العربة فى مواقف الانتظار والبنزين، وعبء استخدام التاكسيات والأوبرات، ومع أول محاولة وقعت زرع بصل بالخوذة بحذائى البوت بكل الاستعدادات اللازمة لارتكاب فعل ركوب الإسكتور والانضمام إلى الشارع الدولى فى الرقى والبعد عن حرق العادم وأسعار البنزين وكله.
ومن ساعتها وأنا أسترب بكل ثقة خارج أسوار منزلنا وأمد يدى على الإسكتور الأخرى، لكننى وعلى آخر لحظة أتذكر أول لطمة على أسفلت الشارع، تمنعنى من محاولة التعامل معه وتوفير عبء العربة والبنزين والركنة والسائق نفسه الذى يقود سيارة الهانم، "حضرتى" وهم لا يجدوا الفرصة لتقمص شخصية سائق الأميرة أشرقت، أو حتى عم عبده سائق إحدى عربات القصور، لأنهم يستفيقون على صوتى وأنا مازلت ألعب لعبة الأميرة وسائق العربة وأنا ليس بيدى إلا العب بطبيعة عمرى وكهولتى، وأنا أحرص على خلع خوذتى كلما تذكرت آخر مطب لم أتعامل معه كما يجب ووقعت فيه، وطارت الخوذة من شدة الصدمة.
هذا كان ولا يزال حالى، فلولا أننى آنسة لتمنيت أن أكون شابا رجلا يركب الإسكوتر ويرتدى الخوذة فى بلدنا مثلنا مثل الدانمارك وكتلة المغرب العربى، والكتلة الأوروبية الشرقية، خاصة بعد أن علمت أنهم يستعدون لكهربة الإسكتور والتخلص من البنزين.