Close ad
الوجه المظلم للتقدم في الذكاء الاصطناعي (1)

.

دكتور مهندس: سمير على, 22 فبراير 2025


شهد العالم تطوراً غير مسبوق في تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث تسعى الشركات الكبرى إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات الإنتاجية المختلفة وفي وسائل المواصلات وخاصة في تطوير المركبات ذاتية القيادة. وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة التي يوفرها من حيث الكفاءة والتكلفة، إلا أن هناك العديد من التأثيرات السلبية التي بدأت تظهر بوضوح. ولا يقتصر الأمر على تهديد وظائف ملايين العاملين في هذا القطاع، بل يمتد ليشمل مخاطر أخرى تتعلق بالأمان، والخصوصية، وحتى الاستخدامات غير الأخلاقية لهذه التقنية. وفي الجزء الأول من هذه المقالة سوف نعرض التأثيرات السلبية لهذه التكنولوجيا على صناعة السيارات بشكل خاص، ثم نعرض تهديد هذه التكنولوجيا للجنس البشري بشكل عام في الجزء الثاني لاحقا إن شاء الله.

أولا: أثار الذكاء الاصطناعي على صناعة السيارات

فقدان الوظائف البشرية

تشير تقارير إلى أن الكثير من مصانع السيارات حول العالم أصبحت تعتمد بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى تقليص عدد الموظفين بشكل ملحوظ. ولذلك فإن أحد أهم التأثيرات السلبية للذكاء الاصطناعي على صناعة السيارات هو فقدان عدد كبير من الوظائف. وفقاً للاتحاد الدولي للروبوتات (IFR)، تم تركيب 53% من جميع الروبوتات الصناعية في مصانع السيارات خلال عام 2022 فقط.

وفقاً لدراسة أجراها المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن استخدام الأنظمة الأتوماتيكية (الأتمتة) والروبوتات في خطوط الإنتاج ستؤدي إلى فقدان ما يقرب من 85 مليون وظيفة بنهاية عام 2025، في حين ستخلق حوالي 97 مليون وظيفة جديدة، إذا استطاع العمال التقليديين التكيف مع هذه التغيرات لأن معظم هذه الوظائف الجديدة تتطلب مهارات تقنية متقدمة، وهذا يمثل التحدي الأكبر للشركات والعمال.

ووفقاً لدراسة أجرتها McKinsey & Company، فإن الأتمتة يمكن أن تؤدي إلى فقدان ما يصل إلى 30% من الوظائف في قطاع التصنيع بحلول عام 2030، مع تأثير كبير في صناعة السيارات تحديداً، حيث أدت الأتمتة إلى تقليل الحاجة للعمال في خطوط الإنتاج. على سبيل المثال، كشفت تقارير أن كلا من شركة فورد وجنرال موتورز وتسلا قاموا بتخفيض عدد موظفيهم بنسبة 20 – 30% خلال السنوات الأخيرة بسبب اعتمادهم المتزايد على الروبوتات والذكاء الاصطناعي في عمليات التصنيع والتجميع. بل وصل الحال بعدد من شركات صناعة السيارات إلى إغلاق بعض مصانعها بشكل كامل مثل VW.

مشاكل السلامة والأمان

رغم التقدم الكبير في تقنيات القيادة الذاتية، لا تزال هناك مخاطر كبيرة مرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي في السيارات. حتى تاريخ كتابة هذه المقالة، لا تتوفر إحصاءات عالمية شاملة لحوادث السيارات ذاتية القيادة حتى نهاية عام 2024. مع ذلك، تشير التقارير المتاحة إلى بعض الحوادث البارزة في الولايات المتحدة. وتشير الإحصائيات إلى أن السيارات ذاتية القيادة لا تزال غير آمنة بشكل كامل، حيث رصدت الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة في الولايات المتحدة (NHTSA) أكثر من 400 حادث تصادم متعلق بالسيارات ذاتية القيادة منذ عام 2022، مع وفيات مؤكدة في بعض الحالات. وكان أغلبها ناتجاً عن فشل الذكاء الاصطناعي في التكيف مع الظروف غير المتوقعة على الطرق.

وفقاً لبيانات NHTSA حتى يونيو 2023، تورط نظام القيادة الذاتية في سيارات تسلا في 736 حادثاً مختلفا في الولايات المتحدة منذ عام 2019، منها 17 حادثًا قاتلًا، و11 حالة وفاة منذ مايو 2022. وفي أكتوبر 2023، تعرضت سيارة ذاتية القيادة تابعة لشركة "كروز" لحادث في سان فرانسيسكو، حيث دهست أحد المشاة وتسببت في إصابات خطيرة، مما أدى إلى تعليق عمليات الشركة مؤقتاً. ونتيجة لذلك أظهر استطلاع لـمنظمة AAA أن 85% من الأمريكيين يخشون قيادة السيارات الذاتية.

إضافة إلى ذلك، يمكن اختراق أنظمة الذكاء الاصطناعي في السيارات الذكية، مما يشكل تهديداً أمنياً خطيراً، حيث حذرت وكالة الأمن السيبراني الأمريكية (CISA) من أن السيارات المتصلة بالإنترنت قد تكون عرضة للهجمات الإلكترونية التي قد تؤدي إلى التحكم فيها أو تفجيرها عن بعد (خاصة السيارات الكهربائية)، مما يعرض حياة الركاب للخطر. 

وقد تحول هذا القلق إلى أحد أسوء الكوابيس بالنسبة لصناعة السيارات بعدما حدثت الهجمات الإرهابية والقرصنة السيبرانية في "لبنان" من خلال تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية (Badgers) و(Woke Toki) عن بعد في نهاية عام 2024 مما تسبب في قتل وإصابة ألاف الضحايا على الرغم من أن وزن البطارية في هذه الأجهزة لا يتعدى بعض الجرامات القليلة وهو ما أثار أحد أهم التهديدات الأمنية أمام صناعة السيارات بصفة عامة والكهربائية بصفة خاصة.

كما أظهر تقرير نشرته MIT Technology Review أن الأنظمة الذكية قد تعاني من مشكلات في اتخاذ القرارات الأخلاقية، خاصة في الحالات الطارئة التي تتطلب رد فعل فوري، مما يثير مخاوف أخلاقية بشأن إمكانية برمجة المركبات لاتخاذ قرارات قد تضر بالركاب أو المشاة.

ارتفاع تكلفة الإنتاج والصيانة

على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يساهم في تحسين كفاءة الإنتاج، إلا أن تكاليف تطويره وصيانته لا تزال مرتفعة. فوفقاً لتقارير McKinsey & Company، فإن تكاليف البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي بالسيارات الذكية تجاوزت 16 مليار دولار سنوياً، وهو ما ينعكس على أسعار السيارات، ويجعلها أقل قدرة على المنافسة خاصة في أسواق الدول النامية.

وجاء أيضا في تقرير صادر عن Consumer Reports، أنه بدلاً من الإصلاحات التقليدية، تتطلب هذه المركبات خبراء في البرمجة والتكنولوجيا الحديثة وبالتالي فإن تكلفة إصلاح سيارات الذكاء الاصطناعي قد تزيد بنسبة 50% مقارنة بالسيارات العادية.

 تهديدات الأمن السيبراني

كشف تقرير لشركة (Upstream Security) عن زيادة هجمات القرصنة على السيارات الذكية بنسبة 225% بين عامي 2018 و2023. وأن احتواء السيارات المتصلة بالإنترنت على كميات هائلة من البيانات، يُعرض المستخدمين لاختراقات قد تصل إلى 70% من السيارات الذكية بنهاية عام 2025. وتتوقع الشركة أن تصل قيمة سوق الأمن السيبراني للسيارات إلى 5.6 مليار دولار بحلول عام 2026، مما يعكس حجم التهديدات المتصاعدة.

التكاليف البيئية الخفية

رغم ترويج السيارات الكهربائية كأحد أهم الحلول لمشاكل التلوث البيئي، يحذر الخبراء من التأثيرات البيئية الخطيرة لتعدين المعادن النادرة اللازمة لصناعة البطاريات. وفقاً للبنك الدولي، قد يرتفع الطلب على الليثيوم بنسبة 500% بحلول 2050، مما يهدد بزيادة التلوث في الدول المنتجة له مثل تشيلي والأرجنتين. إضافة إلى ذلك، في دراسة لجامعة “ماساتشوستس” تم نشرها عام 2019 أشارت إلى أن البرمجة والتدريب على نموذج ذكاء اصطناعي مثل GPT يستهلك طاقة تعادل انبعاثات 121 سيارة سنوياً.

خلاصة القول: نحو توازن بين الابتكار والمسؤولية

رغم أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على إحداث ثورة في صناعة السيارات وتحقيق العديد من الفوائد، فمن الضروري معالجة التحديات والمخاطر المرتبطة بتنفيذه. ومن خلال فهم هذه القضايا يمكننا العمل نحو مستقبل أكثر أماناً واستدامةً لصناعة السيارات. لكن شروط نجاحه تكمن في تنفيذ ضوابط أخلاقية صارمة، واستثمارات هائلة في التعليم وإعادة تأهيل العمالة، وتشريعات تحد من الاحتكارات. كما أن إدارة مخاطره تتطلب تعاوناً عالمياً، حيث يجب تعزيز التشريعات، مثل مقترحات الاتحاد الأوروبي لتنظيم الذكاء الاصطناعي (AI Act). كما يتطلب الأمر وعياً جماعياً، وأن التوازن بين تبني التطور التكنولوجي وحماية حقوق الإنسان يجب أن يكون أولوية قصوى للمجتمع الدولي. 

فهل توقف التأثير السلبي للذكاء الاصطناعي فقط على الصناعة بوجه عام وصناعة السيارات بوجه خاص؟ للأسف، قد يصبح الذكاء الاصطناعي لعنة تهدد أحلام البشرية أو حتى وجودها على كوكب الأرض. وهذا ما سوف نستعرضه مع حضراتكم في الجزء الثاني من هذه المقالة لاحقاً أن شاء الله.

اخبار جوجل تابعوا صفحتنا على أخبار جوجل

الاخبار المقترحة

الاخبار الرئيسية

مقال رئيس التحرير

الأكثر قراءة