استعرضنا مع حضراتكم في المقال الأول الذي تم نشرهفي نفس الموقع عن البرنامج الطموح للحكومة المصرية لتحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة السيارات الكهربائية (يمكن الاطلاع على المقال الأول من خلال الرابط التالي): https://auto.ahram.org.eg/News/123058.aspx. وبعيدا عن العوامل التي تم ذكرها في البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات الذي تم اطلاقه في يونيو 2022، فقد قمت بتسليط الضوء من منظور مختلف على خمسة عوامل استراتيجية هامة جدا لنجاح هذا المشروع القومي والتي يمكن أن تتميز بها مصر عن كثير من الدول المحيطة، وقدمت بعض الأرقام والحقائق عنالإمكانيات الكبيرة لنمو وتطوير هذا القطاع إذا تم إدارتها واستغلالها باحتراف. واليوم أستكمل مع حضراتكم أهم العوامل الأخرى لنجاح هذه الاستراتيجية.
سادسا: إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية
مع التطور السريع في صناعة السيارات الكهربائية عالمياً وزيادة الطلب على السيارات التي تعتمد على مصادر الطاقة النظيفة، تبرز قضية إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية كفرصة استراتيجية لمصر. وخاصة بعد دراسة نتائج العديد من الأبحاث قامت بها عدة مراكز أبحاث عالمية مثل "Argon Research" و "Precedence Research" و "Bloomberg NFE" قدرت أن قيمة سوق إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية عالمياً ستصل إلى حوالي 24 مليار دولار بحلول 2030. (الرسم البياني – 1)
ولذلك فإن إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية ليست مجرد خيار اقتصادي، بل هي خطوة استراتيجية نحو تحقيق استقلالية صناعية وبيئية لمصر. ومن خلال استثمار الجهود في هذا المجال، يمكن لمصر أن تكون رائدة إقليمية في صناعة السيارات الكهربائية، مستفيدة من التوجهات العالمية الداعمة لهذه الصناعة وإمكاناتها المحلية لتحقيق فوائد طويلة الأجل.
ما لذي يمكن الحصول عليه من إعادة تدوير البطاريات؟
تهدف إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية إلى استعادة المواد الثمينة والمكونات الأساسية التي تُستخدم في صنع البطاريات، والتي تشمل الليثيوم، والكوبالت، والنيكل، والنحاس، والألمنيوم، والحديد، بالإضافة إلى الجرافيت والمنجنيز. وتختلف نسب هذه المواد التي يمكن استردادها حسب نوع البطارية وتقنيات إعادة التدوير المستخدمة، ووفقاً لتقرير صادر عن "مجلس المعادن الدولي" في عام 2023، يمكن استخراج ما يلي من إعادة تدوير بطارية سيارة كهربائية:
الكوبالت: يمثل حوالي 5% إلى 20% من كتلة البطارية، وقد تصل نسبة استعادة الكوبالت حوالي 90% إلى 95% باستخدام التقنيات الحديثة، وذلك بسبب قيمته العاليةفي صناعة بطاريات الليثيوم أيون.
النيكل: يمثل نحو 5% إلى 10% من البطارية، وقد تصل نسبة استعادته إلى حوالي 90%.
الليثيوم: يمثل الليثيوم حوالي 2% إلى 7% من كتلة البطارية، وتعد عملية استعادته أقل كفاءة مقارنةً بالكوبالت والنيكل، حيث تبلغ نسبة الاستعادة الحالية حوالي 50% إلى 80% بسبب التعقيدات في فصله وإعادة استخدامه بشكل فعال.
النحاس: يشكل النحاس حوالي 10% إلى 15% من كتلة البطارية، وتصل نسبة استعادته إلى 95%.
الألمنيوم: يُعتبر الألمنيوم مكوناً رئيسياً في البطاريات، حيث يمثل حوالي 10% إلى 20% من الكتلة، كما يعاد تدويره بكفاءة عالية تصل إلى 95% إلى 98%.
الجرافيت: يعد الجرافيت المكون الأساسي للأقطاب السالبة، ويمثل 5% إلى 15% من كتلة البطارية. لكن لا يتم استعادته بكفاءة عالية في معظم العمليات الحالية.
مواد أخرى(كربون، بلاستيك، فولاذ، ومواد إلكترونية): تشكل ما يقارب 30% - 40% من كتلة البطارية. وفي الغالب لا يتم استعادتها بنسب عاليةمن عمليات التدوير.
وهناك جهود لتحسين تقنيات استعادة الليثيوم والجرافيت بشكل خاص لرفع كفاءة إعادة التدوير وتخفيض التكاليف.فعلى الصعيد العالمي، فإن الصين والاتحاد الأوروبي يحققان تقدماً كبيراً في إعادة التدوير، حيث تطالب التشريعات في الاتحاد الأوروبي بأن يتم تدوير 70% من مواد بطاريات السيارات الكهربائية بحلول عام 2030، وهذا سيعزز النمو الاقتصادي. كما تتبنى شركات كبرى مثل "TESLA" الأمريكية و"BMW" الألمانية برامج متقدمة لإعادة تدوير البطاريات، مما سيوفر نسبة تتراوح بين 50% و70% من احتياجاتها من المواد الخام. ويمكن لمصر الاستفادة من هذه التجارب وتطوير تقنيات محلية مماثلةلتحقيق فوائد طويلة الأجل ومنها:
تقليل الاعتماد على المواد الخام المستوردة:
تعتمد بطاريات السيارات الكهربائية الحالية على معادن ثقيلة مثل الليثيوم، الكوبالت، النيكل، والمنجنيز، والجرافيت والتي تعتبر مواد أولية مرتفعة التكلفة. وإعادة التدوير تسمح باستخلاص هذه المواد من البطاريات المستعملة وإعادة استخدامها. خاصة أن تكلفة استيراد بطارية جديدة تصل إلى أكثر من 2000 دولار لكل بطارية، في حين أن تكلفة إعادة التدوير تتراوح ما بين 500 إلى 1,000دولار فقط لكل بطارية، ما يعني توفير حوالي 50% إلى 75% من تكاليف المواد الخام، وهذا يساهم في خفض تكاليف إنتاج السيارة وتعزيز استدامة الصناعة محلياً، (الرسم البياني – 2).
تحفيز الاستثمارات المحلية وتوفير فرص العمل:
إن إنشاء مصانع لإعادة تدوير البطاريات يمكن أن يخلق فرص عمل جديدةتصل إلى 30 – 40 وظيفة لكل منشأة متوسطة الحجم، وبناءً على معدلات النمو المتوقعة في سوق السيارات الكهربائية، يمكن أن يتوفر ما يصل إلى 5,000 فرصة عمل جديدة على مدى السنوات العشر القادمة. وهو ما يعزز التوظيف المحلي ويزيد من الاستثمارات المرتبطة بهذا القطاع.
تخفيض تكلفة الإنتاج وتعزيز القدرة التنافسية:
إعادة تدوير البطاريات يؤدي إلى خفض تكلفة المواد الخام، مما يساهم في خفض تكلفة تصنيع السيارات الكهربائية التي تمثل أ أهم التحديات للسيارات الكهربائية. وفقاً لكثير من الأبحاث، فإن إعادة تدوير المعادن المستخدمة في البطاريات يمكن أن يخفض تكلفة انتاج البطاريات بنسبة 10% - 15%. وإذاتم تطبيق هذه النسبة في مصر وتمكنت مصر من إعادة تدوير 50% فقط من البطاريات المستهلكة محلياً، قد تصل القيمة الاقتصادية إلى ما بين 100 إلى 150 مليون دولار سنوياً، بناءً على حجم الإنتاج المتوقع وتكلفة البطارية.وهذا سيجعل السيارات الكهربائية أكثر تنافسية في السوق المحلي ويخلق فرصلتصديرها للدول المجاورة، مما يعزز من تنافسية الصناعة المصرية.
الحفاظ على البيئة وتقليل البصمة الكربونية:
يسهم إعادة التدوير بشكل كبير في تقليل النفايات الخطرة وتقليل الانبعاثات الكربونية الناتجة عن التعدين والاستخراج. وفقاً لدراسات عالمية، فإن إعادة تدوير البطاريات يقلل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة تصل إلى 70% مقارنةً بعمليات استخراج المعادن التقليدية. مما يحسن جودة البيئة وتعزيز الاستدامة البيئية لصناعة السيارات في مصر.
سابعا: تحويل المركبات ذات الثلاث عجلات والدراجات النارية إلى كهربائية
إن وضع سياسة متكاملة لتحويل المركبات ذات الثلاث عجلات (التوك توك والتريسكل) والدراجات النارية (ذات العجلتين) إلى مركبات كهربائية يمكن أن يسهم بشكل كبير في توطين صناعة السيارات الكهربائية في مصر. حيث أن هذا التحول يواكب التوجهات العالمية لتحقيق خفض الانبعاثات. وفي إفريقيا، تستهلك هذه المركبات حوالي 15% إلى 20% من الوقود المستخدم في النقل. وتحويل هذا الكم إلى الكهرباء يمكن أن يقلل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما يصل إلى 600 مليون طن سنوياً، وهو ما يعادل إزالة 200 مليون سيارة بنزين عن الطرق. كما أن له عائد اقتصادي كبير، إذ إن مركبة كهربائية ثلاثية العجلات يمكن أن تحقق انخفاضا في التكلفة بنسبة (83%) مقارنة بمثيلتها التي تقطع نفس المسافة باستخدام وقود البنزين.وتنقسم المركبات ذات الثلاث عجلات إلى نوعين أساسيين وهما:
عربات للركاب (توك توك):
يُعد هذا القطاع الأكبر في السوق، حيث يُفضل الناس هذه المركبات للتنقل لمسافات قصيرة بفضل تكلفتها المعقولة وراحتها خاصة في المناطق الريفية والمزدحمة. تدعم الحكومات في العديد من الدول مثل الهند والولايات المتحدة واليابان هذا التوجه من خلال الترويج لوسائل النقل الكهربائية منها. وهذا النوع له أسواق ضخمة في إفريقيا.
عربات البضائع (التريسكل):
وهذا النوع يحقق نمواً كبيراً نظراً لقدرته على نقل الأحمال الصغيرة والمتوسطة بكفاءة وبتكلفة منخفضة، خاصة في المناطق المزدحمة والأسواق المركزية. ويدفع النمو السريع لقطاع التجارة الإلكترونية الحاجة إلى حلول لوجستية صديقة للبيئة، مما يعزز الطلب على النسخة الكهربائية من هذا النوع المخصص للبضائع.
وفي مصر، بلغ عدد السيارات المرخصة في نهاية عام 2023 حسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء (إصدار يوليو 2024) هو 9,945,052 مركبة منهم 2,646,791 دراجة نارية و 192,675 مركبة ذات ثلاث عجلات (توك توك) مسجل لدى أقسام الشرطة (غير مرخص).
وقد شهد سوق هذا النوع من المركبات في مصر نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، مدعوماً بعدة عوامل تشمل التكاليف المتزايدة للوقودمع زيادة عدد السكان في المناطق الحضرية والازدحام المروري المستمر، كماأصبحت الدراجات الكهربائية خياراً مثالياً لشركات التوصيلالمنزلي. وهو ما ساهم أيضا بقوة في توفير عشرات الألاف من فرص العمل للشباب في كل المحافظات المصرية.
وقد بلغ حجم سوق الدراجات الكهربائية ذات العجلتين في مصر نحو 25 مليون جنيه مصري في عام 2023، مع نمو سنوي يُقدر بحوالي 15%إلى20%. وتأتي هذه الزيادة نتيجة الإقبال المتزايد من الفئات العمرية الشابة.
وأما على المستوى العالمي، فمن المتوقع أن ينمو السوق العالمي لهذا النوع من المركبات الكهربائية بشكل كبير، مدفوعاً بزيادة الوعي البيئي وتحسين تكنولوجيا البطاريات وتفضيل خيارات التنقل الصديقة للبيئة. ففي عام 2023، بلغ حجم السوق العالمي حوالي 54 مليار دولار أمريكي ومن المتوقع أن يصل إلى ما بين 108 و121 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030. ويعكس هذا التوسع معدل نمو سنوي مركب (CAGR) قوي يتراوح بين 12% إلى 14.5%، وفقًا لتحليلات السوقلمركز أبحاث (Grand View Research).
ولذلك يمثل سوق الدراجات الكهربائية ذات العجلتين والثلاث عجلات في مصر فرصة واعدة للنمو الاقتصادي والابتكار، وخطوة هامة جدا في توطين صناعة السيارات في مصر خاصة مع التوجه العالمي نحو وسائل النقل المستدامة ووجود سوق واسعة لهذا النوع من المركبات في إفريقيا. ومع استمرار التطورات التكنولوجية والدعم الحكومي لهذه الصناعة، يمكن أن تصبح هذه الصناعة ركيزة أساسية في مشهد النقل المصري بحلول عام 2030.