لا أنكر أننى أحببت ركوب التوك توك، مع أننى لم أجرب هذا الشعور وتلك الركوبة إلا مرة واحدة فى مصر، ومن قبلها بأكثر من عشرين عاما فى "بانج كوك"، وقد استقبلنا فى مطارهم.
وقررت صديقتى يومها أن تستقله ومعها حقائبها فور هبوطنا من الطائرة ومعنا الحقائب، وبعد أن حملناه بعدة حقائب، بدأت تتفاوض معه على السعر، وأنا أبكى بجانبها وأرجوها أن تهدأ من كثرة القيل والقال مع سائق التوك توك البانجوكى، وإلا طار بالحقائب وتركنا بدونها.
لم أكن أتخيل يومها أن هذا الاختراع الجميل من وجهة نظرى فقط، يمكن أن يصل إلى ربوع شوارع القاهرة ودروبها وكباريها وحواريها وزقاقها وحتى الطريق المسدود.
إلى أن رأيته وبعد تلك الأعوام يرتع فى شوارعنا الرئيسية وسط البلد وعلى الكبارى والأنفاق، ولا يترك شارعا كبيرا ولا صغيرا ولا حارة، ولا حتى زقاقا إلا وطرقه واحتله، ثم سيطر فيه على "السبوبة".
وفى وكالة الغورى، وبعد أن تبحرت داخل الوكالة، لم أفق إلا على نفسى محملة بما لذ وطاب من بضاعة الوكالة، وأصبحت مثل الكرنبة أو الفيل الذى يحمل أثقالا، ولم أر أمامى إلا مواكب من التكاتك تطير من حولى هنا وهناك، وبما أننى لم أتحمل فكرة أن أخرج من الوكالة إلى الشارع الرئيسى وأنا أحمل أثقالا سيرا على الأقدام، فقد قررت اعتراض موكب التكاتك الطائرة من حولى، ووضع نفسى أولا ثم أحمالى، عكس ما حدث فى بانكوك طبعا، طالبة منه أن يخرج من أعماق الوكالة إلى الخارج عند الأزهر.
ولم أكمل الجملة حتى وجدتنى أطير فى الهواء ثم أعود مرة أخرى إلى مقعدى الكائن وسط الحقائب لتأخذ هى دورها فى عملية الطيران، لنجد أنفسنا فى حالة من اللف الحلزونى حول المقاهى والشوارع والحوارى أسلم على زبائن المقهى واحدا واحدا، بل وجدتهم يعزمون عليه بالشاى ثم القهوة، وكدت أن أصل إلى أنفاس الشيشة المعسل.
ثم لا مانع من اختراق المنازل ومناشر الغسيل، وظل الوضع على هذا الحال حتى وصلنا سالمين إلى الخارج. لأدفع مقابل تلك اللعبة الحلزونية فى ملاهى الحياة والشوارع والطرق المرصوفة وغير المرصوفة مبلغا ضئيلا، طبعا لم زفاصل فيه، لأننى استمتعت بكل لحظة من لحظات جلوسى ولا أفضل ملاهى "وورلد ديزنى" ولا "السندباد" ولا سيرك الحاج "عنبة على ما تفرج" .
سرت إلى عربتى الكائنة فى موقف الأوبرا لأدفع مبلغا محترما يفوق مبلغ أجرة التوك توك، أكثر من عشر مرات.
وتمنيت أن يعود بى الزمان وأتمكن من شراء توك توك أقضى به مشاويرى الداخلية حتى ولو استأجرت له سائق.
وللحديث بقية وآمال وأحلام امتلاك توك توك.