Close ad
توطين صناعة السيارات في مصر.. آفاق وفرص واعدة!

.

دكتور مهندس: سمير على, 8 نوفمبر 2024


تسعى الحكومة المصرية إلى تحويل مصر لمركز إقليمي لصناعة السيارات الكهربائية، خاصة في ظل نمو الطلب العالمي على وسائل النقل النظيفة والصديقة للبيئة. ومع توافر عوامل مشجعة، مثل التحفيزات الاستثمارية وتطوير البنية التحتية والطاقة النظيفة، فإن آفاق توطين صناعة السيارات الكهربائية في مصر تبدو مبشرة. إلا أن التحديات المتبقية تتطلب جهوداً منسقة لضمان نجاح هذه الخطط، وتحقيق نقلة نوعية في الاقتصاد المصري.

ففي يونيو 2022، أطلقت الحكومة المصرية البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات (AIDP) كجزء من استراتيجية لتوطين صناعة السيارات في مصر. بهدف تعزيز القيمة المضافة المحلية، وزيادة حجم الإنتاج، وتحفيز الاستثمار في قطاع السيارات، وتحسين معايير الانبعاثات. كما تم إنشاء المجلس الأعلى لصناعة السيارات وصندوق تمويل صناعة السيارات صديقة البيئة لضمان التنفيذ الفعال للبرنامج.

وبعيدا عن العوامل التي تم ذكرها في البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات، أريد تسليط الضوء من منظور مختلف على عوامل استراتيجية هامة جدا لنجاح هذا المشروع الطموح والتي يمكن أن تتميز بها مصر عن كثير من الدول المحيطة، وتقدم الأرقام والحقائق الحالية أدلة على إمكانيات كبيرة للنمو والتطوير في هذا القطاع إذا تمإدارتها واستغلالها باحتراف.  ومن أهم هذه العوامل:

أولا: دعم وتطوير التصنيع المحلي وسلاسل الإمداد للصناعات المغذية للسيارات

إن زيادة تصنيع مكونات السيارات محلياً بمواصفات قياسية عالمية تُعدّ عاملاً أساسياً في تعزيز توطين صناعة السيارات في مصر، ويجب التركيز عليه وإعطائه الأولوية حتى قبل مشاريع تجميع السيارات في مصر لأنهيلعب دوراً محورياً في عدة جوانب مؤثرة:

كثير من الصناعات المغذية تصلح لاستخدامها في صناعة السيارات سواء العادية أو الكهربائية.

تُقلل الحاجة إلى استيراد المكونات، مما يُخفض التكاليف على المصانع المحلية نتيجة انخفاض تكلفة الإنتاج ورسوم الشحن والجمارك.

تُساهم في تقليل تقلبات التكاليف الناتجة عن أسعار الصرف، مما يجعل أسعار السيارات أكثر استقراراً ويسمح بتقديمها بأسعار تنافسية للمستهلكين.

وجود قاعدة تصنيع محلية متطورة للمكونات يجذب كبرى الشركات العالمية، إذ يُوفر لها بديلاً أرخص وأكثر مرونة لمصادر التوريد الخارجية.

تُشجع الشركات العالمية على إنشاء مصانع تجميع أو إنتاج كامل في مصر، حيث تصبح قادرة على الاعتماد على سلسلة توريد محلية قوية.

تُشجع على تطوير الأبحاث والتقنيات الحديثة في مجال السيارات، مما يعزز الابتكار ويُساهم في تطوير مكونات مُصنعة محلياً بمواصفات عالمية مثل المحركات الكهربائية والبطاريات.

تُؤدي إلى بناء قاعدة صناعية متكاملة تُمكن مصر من التميز في تكنولوجيا السيارات الكهربائية.

رفع نسبة المكون المحلي إلى حوالي 50-60% يمكن أن يُعزز من قدرة مصر على تلبية متطلبات بعض الأسواق العالمية.

تُؤدي إلى تعزيز تنافسية السيارات المصرية وجعلها قادرة على الوصول إلى أسواق جديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا وحتى أوروبا.

خلق فرص عمل كبيرة في مجال الصناعة، والتي تشمل جوانب مختلفة كالهندسة، التشغيل، والتصنيع.

تطوير الصناعات المغذية طبقا للمواصفات العالمية، يمكن أن يجعل مصر مُصدّراً مهماً لمكونات السيارات في المنطقة، ما يعزز دخل العملة الأجنبية ويدعم الاستقرار الاقتصادي.

ثانيا: استغلال احتياطي المعادن في مصر

تمتلك مصر إمكانيات كبيرة يمكن أن تدعم تطوير صناعة السيارات بشكل عام والصناعات المغذية لها بشكل خاص. ومن أهمها موارد معدنية استراتيجية متعددة مثل الحديد، المنجنيز، النحاس، الرمال البيضاء (السيليكا)، والرمال السوداء التي يمكن أن تدخل في صناعة العديد من مكونات السيارات:

الحديد:

يقدر احتياطي مصر من الحديد بحوالي 2 مليار طن، حيث تتواجد معظم المناجم في منطقة الواحات البحرية وأسوان. إنتاج الحديد يلعب دورًا كبيرًا في الصناعات المغذية، إذ يُستخدم الحديد والصلب في أجزاء مثل الهياكل والأجزاء الميكانيكية للسيارات.
إنتاج مصر من الحديد الخام بلغ حوالي 500 ألف طن سنويًا، ولكن يمكن زيادته لتلبية احتياجات السوق المحلي وتطوير الصناعات المغذية.

المنجنيز:

تمتلك مصر احتياطيات من خام المنجنيز في شبه جزيرة سيناء. يُعتبر المنجنيز معدناً أساسياً في صناعة السبائك، ويستخدم لتعزيز متانة الصلب.
يمكن أن يُستخدم المنجنيز في تصنيع أجزاء حيوية في السيارات تتطلب مقاومة عالية، مثل المحاور والمكابس، مما يقلل الاعتماد على الاستيراد ويساهم في تقليل التكلفة.

النحاس:

يُستخدم النحاس بشكل كبير في الأسلاك والمكونات الكهربائية في السيارات. وقد أعلنت هيئة الثروة المعدنية المصرية عن اكتشاف احتياطيات جديدة في منطقة الصحراء الشرقية.

يعتمد القطاع الصناعي بشكل أساسي على النحاس في تصنيع البطاريات والأسلاك والمكونات الكهربائية، ما يمكن أن يساهم في تطوير صناعة السيارات الكهربائية مستقبلًا.

رمال السيليكا والرمال السوداء:

مصر تمتلك احتياطيات هائلة من الرمال البيضاء عالية النقاوة (السيليكا)، والتي تُستخدم في صناعة الزجاج والبلاستيك، وهي مواد حيوية في صناعة المصابيح والزجاج المستخدم في السيارات.

تمتلك مصر احتياطياً يزيد على 20 مليار طن من رمال (السيليكا)، بالإضافة إلى 1.3 مليار طن من الرمال السوداء ويمكن لهذه الاحتياطيات دعم إنتاج محلي للزجاج والمكونات البلاستيكية للسيارات والمحركات. كما أنها تستخدم في صناعة السيلكون المستخدم في خلايا الألواح الشمسية والأجهزة الإلكترونية.

الألمنيوم:

بالرغم من أن مصر تعتمد على استيراد بعض الخامات الأساسية للألمنيوم، إلا أن إنتاجها من الألمنيوم وصل إلى حوالي 320 ألف طن سنوياً، يتم تصدير جزء كبير منه. هذا الإنتاج يمكن توجيهه محلياً للصناعات المغذية، حيث يستخدم الألمنيوم في أجزاء الهيكل الخارجي للمركبات وفي أنظمة التبريد.

بالاعتماد على هذه الاحتياطيات المعدنية، مع إعطاء الأولوية في استغلالها لشركات تطوير الصناعات المغذية للسيارات يمكن لمصر تقليل الاعتماد على الوارداتمع الاستفادة من فرق الأرباح في القيمة المضافة للتصنيع مما يعزز الاقتصاد المحلي ويساعد على تحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع السيارات.

ثالثا: تكلفة الأيدي العاملة

تعتبر تكلفة الأيدي العاملة من أهم عوامل النجاح لأي صناعة.  إن الفارق الكبير في تكلفة الأجورمقارنة مع أوروبا والولايات المتحدة يجعل مصر خياراً مناسباً للشركات التي تسعى لتقليل نفقات الإنتاج.ويكفي أن نعلم بأن تكلفة العمالة في ألمانيا وهي الأعلى عالميا تعد أسوء التحديات لصناعة السيارات الألمانية، فالحد الأدنى للأجور يتراوح في قطاع الصناعة ما بين (2,100 – 4,200) دولار شهريا.في حين يمكن أن تصل تكلفة العامل المصري إلى حوالي 10% من تكلفة نظيره الأوروبي أو الأمريكي في بعض الوظائف.

رابعا: اتفاقيات التجارة الحرة والتجمعات الاقتصادية

يتيح الموقع الاستراتيجي لمصر كبوابة لقارة أفريقيا التي تتنافس عليها جميع الدول الصناعية لوضع قدم فيها لمنتجاتها. كما أن موقع مصر الجغرافي يتيح لها فرصة متميزة للوصول إلى الأسواق العالمية بالإضافة إلى الاستفادة من العديد من الحوافز التي توفرها اتفاقيات التجارة الحرة لأنها تمثل نوافذ ممتازة لتصدير السيارات ومكوناتها إذا استطعنا انتاجها بمواصفات عالمية وأسعار منافسة. 

وتوفر اتفاقيات التجارة الحرة المتعددة الوصول إلى 1.5 مليار مستهلك منهم ما يزيد عن 100 مليون مستهلك في مصر، بالإضافة إلى أنها تربط المستثمرين بالأسواق القائمة والناشئة بنسبة 8٪ من التجارة العالمية التي تمر عبر قناة السويس. وهذه الاتفاقيات مفيدة جدا لأن تكلفة الشحن أقل في مصر ويستغرق (7) أيام أقل وصولا إلى الولايات المتحدة من الصين وتكلفة 50٪ أقل مقارنة بدولة الإمارات، كما أن وقت وتكلفة التسليم من مصر إلى الاتحاد الأوروبي حواليالنصف من الشرق الأقصى وجنوب إفريقيا وأمريكا. ومن أهم هذه الاتفاقيات التجارية:

اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى (جافتا).

السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (كوميسا).

اتفاقية أغادير للتجارة الحرة.

اتفاقية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي.

اتفاقية التجارة الحرة بين مصر ورابطة التجارة الحرة الأوروبية (إفتا).

اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (كويز).

اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا.

اتفاقية التجارة الحرة بين مصر والسوق المشتركة الجنوبية (ميركوسور).

بالإضافة إلى انضمام مصر إلى دول تجمع "البريكس" بداية من يناير 2024 وهو التجمع الذي يضم حاليا 10 دول تمثل مساحتها مجتمعة أكثر من ربع مساحة العالم. كما أن هناك قائمة انتظار للموافقة على طلب العضوية لأكثر من 20 دولة أخرى حول العالم.

خامسا: البحث العلمي والتعليم الفني والتدريب

يتطلب توطين صناعة السيارات في مصر شراكة قوية بين شركات السيارات ومراكز البحث العلمي في مصر، سوف تكون مثمرة جدا لكلا الطرفين لأن فكرة البحث العلمي لتصميم سيارة كهربائية مصرية موجودة بالفعل منذ عدة سنوات على مستوى كليات الهندسة في كل جامعات مصر من خلال مشروع (EVER) بقيادة قسم هندسة السيارات بجامعة عين شمس وقد وصلوا لنتائج مذهلة بالرغم من الإمكانيات البسيطة جدا المتوفرة لديهم. هذا الدعم يمكن أن يتخذ عدة أنشطة يجب أن تكون بنوداً أساسية في العقود مع شركات السيارات كشرط أساسي لإتاحة العمل والتسهيلات في مصر:

التعاون في مجال البحث والتطوير

تقدم شركات السيارات تمويل مباشر لمراكز البحث العلمي للتركيز على تطوير تقنيات محددة مثل بطاريات السيارات، المواد الخفيفة التي تقلل من وزن السيارات، وتحسين كفاءة المحركات.
تأسيس مراكز أبحاث مشتركة بين الشركات والجامعات والمعاهد البحثية يُمكن أن يُسرِّع من عمليةالابتكار وتطوير المنتجات بما يتناسب مع السوق المحلي.

نقل التكنولوجيا

ينبغي على شركات السيارات العالمية أو المحلية العاملة في مصر أن تساهم بنقل المعرفة التكنولوجية المتقدمة إلى مراكز البحث العلمي، مثل تقنيات تصنيع السيارات الكهربائية والهجينة، وأنظمة التحكم والقيادة الذاتية.
تقديم برامج تدريبية مستمرة للباحثين المصريين لتعريفهم بأحدث التقنيات والابتكارات في مجال صناعة السيارات.

التطوير المشترك للمناهج التعليمية

تعاون شركات السيارات مع الجامعات لتحديث المناهج الدراسية والتدريب العملي لتكون ملائمة للتطورات الحديثة في صناعة السيارات، خاصة في مجالات الهندسة الميكانيكية والكهربائية وهندسة البرمجيات.
تقديم دعم لبرامج الدراسات العليا التي تركز على تخصصات متعلقة بتصنيع السيارات، مثل تكنولوجياالبطاريات، وأنظمة التحكم والقيادة الذاتية، والصناعات ذات الكفاءة العالية للطاقة.

الدعم المالي والتكنولوجي لتأسيس مصانع إنتاج متطورة

إنشاء مراكز تصنيع صغيرة متخصصة داخل مراكز البحث العلمي تمكن الباحثين من تطبيق ابتكاراتهم وتحويلها إلى منتجات قابلة للاختبار، يمكن أن تمولها شركات السيارات جزئياً.

تشجيع الشركات على إنشاء مصانع للصناعات المغذية والمكونات التي تدخل في صناعة السيارات لتعزيز تكامل الصناعة داخل مصر وتقليل الاعتماد على الواردات.

توفير بيئة حاضنة للشركات الناشئة في التكنولوجيا

توفر شركات السيارات دعمًا مالياً وإرشادياً للشركات الناشئة المحلية التي تركز على تطوير تقنيات متعلقة بصناعة السيارات، مما يشجع على الابتكار المحلي ويعزز من تنافسية مصر في هذا القطاع.
إنشاء حاضنات أعمال خاصة بمجال السيارات يمكن أن تساعد في تحويل الأفكار البحثية إلى منتجاتتجارية صالحة للاستخدام.

بناء شبكة تجريبية لتكنولوجيا السيارات الكهربائية والبنية التحتية للشحن

التعاون مع مراكز البحث في إنشاء شبكات تجريبية خاصة بتكنولوجيا السياراتالكهربائية وشبكات الشحن، بما يُسهل اختبار هذه التقنيات وتطويرها لتناسب البيئة المصرية.

التوظيف والتدريب المتقدم للكوادر المحلية

دعم برامج التدريب الداخلي للكوادر في الشركات المحلية بهدف تعزيز خبرتهم وقدرتهمعلى التعامل مع التقنيات الحديثة.
تتبنى شركات السيارات توظيف الخريجين المتفوقين والباحثين الذين يشاركون في المشاريع البحثية المميزة لدعم الابتكار وتحقيق الاستمرارية في توطين المعرفة.

ختاماً

تمثل هذه العوامل مجتمعة قاعدة قوية لنجاح توطين صناعة السيارات الكهربائية في مصر، وهو مشروع يمتلك فرصاً واعدة للنمو بفضل الاستراتيجيات الداعمة واهتمام الدولة بهذه الصناعة. ومع استمرار الحكومة في تقديم الحوافز وتطوير البنية التحتية، فإن مستقبل صناعة السيارات الكهربائية في مصر يبدو مشرقاً وواعداً، مع احتمالية قوية لجعل البلاد مركزاً إقليمياً لهذه الصناعة المستدامة.

بقي عامل آخر من العوامل الهامة لنجاح هذا البرنامج سوف نستعرضه مع حضراتكم لاحقا إن شاء الله.

وهذه دعوة للمستثمرين...

اخبار جوجل تابعوا صفحتنا على أخبار جوجل

الاخبار المقترحة

الاخبار الرئيسية

مقال رئيس التحرير

الأكثر قراءة