Close ad
حرب الرقائق.. أمريكا تواجه الصين لتأمين مستقبل السيارات

.

د ب أ 10 اكتوبر 2024

عندما اضطربت سلاسل الإمداد العالمية نتيجة تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد اكتشفت الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى أن جزءا مهما من اقتصاداتها يعتمد بدرجة خطيرة على إمدادات الرقائق الإلكترونية التي يتم صناعتها في آسيا وبخاصة في الصين وتايوان.

في الوقت نفسه فإن تصاعد حدة التنافس الجيوسياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين عمق المخاوف الأمريكية من الاعتماد الزائد عن الحد على القطاع الصناعي الصيني في الحصول على الرقائق الإلكترونية التي تستخدم في أغلب المنتجات الأمريكية بدءا من السيارات وحتى هواتف آيفون الذكية التي تنتجها آبل.

وأمام هذه المعضلة  وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن في عام 2022 "قانون خلق الحوافز المشجعة لإنتاج أشباه الموصلات والعلوم"  لتوجيه مئات المليارات من الدولارات نحو تحفيز الإنتاج المحلي للتقنيات المتقدمة مثل أشباه الموصلات المعروفة أيضا باسم الرقائق الدقيقة أو الرقائق. ومنذ صدور هذا القانون أعلنت الشركات الخاصة في الولايات المتحدة عن استثمارات إضافية في قطاع الرقائق والإلكترونيات الأخرى بنحو 400 مليار دولار. وتتجه ولاية أريزونا وعدة ولايات آخرى نحو التحول إلى معاقل لصناعة أشباه الموصلات، لكن تطبيق هذا القانون يواجه تأخيرات ونقصا في العمالة المدربة وغيرها من التحديات بحسب التحليل الذي نشرته المحللة الأمريكية ديانا روي على موقع مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي.

ويمنح القانون قطاع الإلكترونيات الأمريكي دعما بنحو 280 مليار دولار سواء في صورة دعم مباشر أو حوافز ضريبية، منها 70 مليار لصناعة الرقائق، بما فيها الاستثمارات في مجالات التصنيع عالية التكنولوجيا والأبحاث والتطوير وتنمية القوة العاملة.

وخلال فترة خمس سنوات ستوزع وزارة التجارة الأمريكية هذه الأموال على الشركات الخاصة، في حين ستخصص وزارتا الدفاع والخارجية جزءا صغيرا من هذه الأموال لتمويل مشروعات أبحاث وتدريب وعلاج مشكلات سلاسل الإمداد العالمية.  في الوقت نفسه فإن الحوافز الضريبية لقطاع أشباه الموصلات المقدرة بحوالي 24 مليار دولار ستستمر حتى 2027.

و طرحت المحللة ديانا روي المتخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية  في تحليلها تساؤلا عن سبب  احتياج الولايات المتحدة للاستثمار في مجال الرقائق، ثم قالت إن "قانون خلق الحوافز المشجعة لإنتاج أشباه الموصلات والعلوم"  جزء من جهد حكومي أكبر يستهدف خلق المزيد من الوظائف في الولايات المتحدة وتعزيز سلاسل الإمداد المحلية، وزيادة الإنتاج الأمريكي من التكنولوجيات الحيوية، في ظل التدهور الشديد لحصة الولايات المتحدة من الإنتاج العالمي للرقائق.

ففي عام 1990 كانت الولايات المتحدة تنتج حوالي 40% من إمدادات الرقائق في العالم، لكنها الآن تنتج نحو 12% فقط منها. كما أنها لا تنتج أيا من الأنواع المتقدمة من هذه الرقائق حاليا.  في المقابل فإن أكثر من نصف أشباه الموصلات وحوالي 90% من الرقائق الأكثر تطورا في العالم تنتج في تايوان، التي تسيطر فيها شركة تايوان سيميكونداكتور مانيفاكتشورنج كومباني (تي.إس.إم.سي) على هذه الصناعة.

والرقائق الإلكترونية حيوية للحياة الحديثة، حيث تتولى تشغيل مجموعة هائلة من المنتجات بدءا من السيارات وأجهزة الكمبيوتر وحتى أنظمة التسليح. وأدى اضطراب سلاسل إمداد هذه الرقائق أثناء جائحة فيروس كورونا المستجد إلى صدمة للاقتصاد العالمي وأشعل المخاوف من التداعيات الكارثية لأي صراع محتمل بين الصين وتايوان وتأثير ذلك على سوق الرقائق. كما أن هناك مخاوف متزايدة من تفوق الصين على الغرب في هذه التكنولوجيات الحيوية بما يمثل تهديدا للتفوق الاقتصادي والعسكري للولايات المتحدة في العالم.

في ضوء هذه المعطيات فرضت قضية صناعة الرقائق الإلكترونية في الولايات المتحدة نفسها على الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وقد أعلنت كامالا هاريس نائب الرئيس الأمريكي ومرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات تأييدها لقانون خلق الحوافز المشجعة لإنتاج أشباه الموصلات والعلوم. كما أن هذا القانون صدر بدعم واضح من الأعضاء الجمهوريين في الكونجرس. وكان المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب قد انتقد أثناء وجوده في البيت الأبيض قبل سنوات سيطرة تايوان على صناعة أشباه الموصلات وفرض قيودا على تصدير معدات تصنيع الرقائق والرقائق نفسها إلى الصين، وهي القيود التي شددتها إدارة الرئيس بايدن. 

وحتى الآن أنفقت وزارة التجارة أكثر من 32 مليار دولار من مخصصات الدعم وفقا لقانون خلق الحوافز المشجعة لإنتاج أشباه الموصلات والعلوم، إلى جانب أكثر من 29 مليار دولار في صورة قروض لـ 17 شركة في 16 ولاية أمريكية. هذا الدعم شجع الشركات على الإعلان عن استثمارات إضافية في هذا المجال بنحو 400 مليار دولار، في حين يقول البيت الأبيض أنه سيضع الولايات المتحدة على الطريق نحو إنتاج حوالي 30% من إمدادات الرقائق المتطورة في العالم بحلول 2032.

وجاء الجزء الأكبر من هذه الاستثمارات الإضافية من جانب عدد محدود من شركات التكنولوجيا العملاقة مثل إنتل الأمريكية وفرع تي.إس.إم.سي في الولايات المتحدة وسامسونج الكورية الجنوبية.

ومع ذلك هناك انقسام واضح بين الخبراء حول مدى التأثير الإيجابي للإنفاق الحكومي الأمريكي على صناعة الرقائق. ويعتبر توفير الوظائف ذات الأجور المرتفعة والمهارة العالمية أحد محاور "قانون خلق الحوافز المشجعة لإنتاج أشباه الموصلات والعلوم"، وفي حين شطبت صناعة أشباه الموصلات آلاف الوظائف في الولايات المتحدة خلال العقود الآخيرة يقول بعض الاقتصاديين إن المصانع الجديدة الممولة بقانون خلق الحوافز المشجعة لإنتاج أشباه الموصلات والعلوم يمكن أن توفر ما يصل إلى 40 ألف وظيفة جديدة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة.

ولكن البعض يرى أن وعود نمو الوظائف في هذا القطاع يمكن أن تكون مضللة، وأن التقديرات المتفائلة بشأن الوظائف الجديدة بفضل هذا الدعم تلاشت. كما يقول آخرون أن التعقيدات التي تواجه تصنيع الرقائق الإلكترونية في الولايات المتحدة، تشير إلى أن محاولة إحياء هذه الصناعة  لن تكون سهلة، حيث تشير شركتا إنتل وتي.إس.إم.سي إلى أن نقص العمالة المدربة وارتفاع التكاليف يؤخر أعمال البناء في مصانهما الجديدة. كما يقول الخبراء أن تايوان ستحتفظ بسيطرتها على هذه السوق لعقود مقبلة رغم إنفاق الدعم السخي من الإدارة الأمريكية للصناعة المحلية.

اخبار جوجل تابعوا صفحتنا على أخبار جوجل

الاخبار المقترحة

الاخبار الرئيسية