لقد خلق الوباء وضعًا اقتصاديًا يختلف اختلافًا جوهريًا عن أي أزمة سابقة. سينخفض الناتج المحلي الإجمالي، كما هو الحال عادةً خلال فترات الانكماش، ولكن الانخفاض قد يكون أكبر بمرتين من الركود الأخير، مع تأثير بطيء وعدم يقين كبير في نتائج الأرباع السنوية التالية خلال عام 2021 لأننا لا نعرف حتى الان متى ستنتهي هذه الأزمة تحديدا؟
ستقدم هذه الأزمة أيضًا خمسة عوامل إضافية ذات صلة بخدمات ما بعد البيع لم تكن موجودة في الأزمة المالية السابقة من 2007 إلى 2009 وهي كالتالي: انخفاض حاد في (VMT)، وتقليل الاصطدامات، وانخفاض حركة بيع قطع الغيار (التجزئة)،ثم زيادة كبيرة في القنوات الرقمية وأحجام التجارة الإلكترونية، وكذلك استخدام أقل لوسائل النقل العام لتفادي العدوى. وسيكون لهذه العوامل الجديدة تأثير مباشر على مبيعات خدمة ما بعد البيع. وهناك بعض التطورات المحتملة مثل زيادة المبيعات في سوق السيارات المستعملة يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي ومستقر. ولكن إلى حد بعيد يأتي التأثير الأكبر من هذه العوامل الخمسة، والتي كان لها مجتمعة بالفعل تأثير حاد وغير مسبوق على العرض والطلب. وسوف نقوم بعرض تفاصيل أكثر عن هذه العوامل فيما يلي:
-
تم قطع أميال أقل من السيارة
في العديد من المناطق،كانت الطرق فارغة بشكل مخيف والمدن خالية من الزحام. تظهر مؤشرات الازدحام الصادرة عن الشركة المصنعة لنظام الملاحةTomTom انخفاضًا كبيرًا في السفر الخاص والتجاري، بما في ذلك التنقل الفردي. لنأخذ على سبيل المثال إيطاليا وإسبانيا، وهما دولتان تضررتا بشدة خلال هذه الأزمة. حيث انخفضت كثافة السيارات في الطرق إلى 17% مقارنة بالعام السابق في مدن إيطاليا الرئيسية، وإلى 18% في إسبانيا. وفي ألمانيا، حيث تم تطبيق حظر التجوال كثير منالمواقع،انخفضت الكثافة على الطرق بنحو 40%.
-
تصادمات أقل
مع إصدار اللوائح التي تحافظ على بقاء الناس في المنازل وخفض كثافة السيارات، انخفض معدل التصادم والحوادث المرورية في العديد من المدن. فعلى سبيل المثال، شهدت مدن الولايات المتحدة الكبيرة عددًا أقل من الاصطدامات والحوادث بنحو يتراوح ما بين50% إلى 60% منذ أن طبقت الحكومة تدابير السيطرة على انتشار فيروس كورونا. ويمكن ملاحظة تطورات مشابهة جدًا في أوروبا. وبالرغم من أن هذه أخبار ممتازة، حيث يترجم عدد أقل من الحوادث إلى عدد أقل من الإصابات والوفيات. ولكنها غير سارة بالنسبة إلى خدمات ما بعد البيع،حيث أنها تمثل انخفاضا في الإيرادات وبالتالي عددًا أقل من وظائف إصلاح السيارات.
-
انخفاض حجم تجارة قطع الغيار (التجزئة)
من المنطقي أن تؤثر العوامل السابقة على حجم مبيعات قطع الغيار للمستهلك. بالإضافة إلى أن المستهلكين من ذوي الدخل المنخفض يؤجلون أيضًا الإصلاحات التي يمكن تجنبها. تعمل هذه التغييرات على تقليل الزيارات إلى مراكز الخدمة وورش الإصلاح بشكل كبير، على الرغم من أنه يُسمح عادةً لهذه الشركات بالبقاء مفتوحة ولا يزال بإمكانها استلام قطع الغيار من الموزعين بسهولة. على سبيل المثال، تشير تقارير مراكز خدمة السيارات الألمانية إلى انخفاض حجم هذه الأعمال بنسبة 50٪.
-
زيادة قنوات البيع الرقمية وأحجام التجارة الإلكترونية
لقد أصبح من الطبيعي أن يتسوق المزيد من المستهلكين في معظم دول العالم خاصة المتقدمة منها للحصول على قطع الغيارعبر الإنترنت، مما يساعد في التخفيف من الآثار السلبية لحظر التجول ومراكز الخدمة المغلقة. كان هذا الاتجاه سائدًا بالفعل في سوق(B2B) وخاصة في الشركات التي لديها مراكز خدمة خاصة بها،ولكن امتد هذا النوع من التجارة ليشمل سوق (B2C) خاصة في دول آسيا وأوروبا الشرقية وبعض بلدان إفريقيا أيضا ومنها مصر.
-
انخفاض في استخدام وسائل النقل العام
وهذا العامل كان له التأثير الأكبر في الدول المتقدمة حيث يقوم العديد من الأشخاص برحلات أقل عبر وسائل النقل العام وخدمات التنقل المشتركة لتقليل الاتصال الاجتماعي. ولكن قد لا يعتبر هذا خيارا في الدول الفقيرة لانخفاض القوة الشرائية بها. وبالتالي قد يؤدي الاعتماد المتزايد على السيارات الشخصية إلى زيادة الطلب على خدمات ما بعد البيع بمجرد أن يبدأ الناس السفر بشكل روتيني بالسيارة مرة أخرى، ولكن من الصعب التنبؤ بموعد حدوث ذلك. ونظرًا لأن العديد من الشركات مازالت تطبق سياسة "العمل من منازلهم"، فمن غير المرجح أن يكون الاستخدام الأقل لوسائل النقل العام تأثير كبير على الإنفاق على خدمات ما بعد البيع في عام 2021.
-
السيناريوهات المتوقعة اعتبارا من عام 2021 وما بعده
في السيناريوالأول، وهو الأكثر تفاؤلاً، تنجح استجابة الحكومات في السيطرة على انتشار الفيروس في غضون ستة أشهر تقريبًا من عام 2021. وبالتالي يمكن التعويض جزئيًا عن الضرر الاقتصادي، وتجنب أزمة مصرفية، وتعافي إجمالي الناتج المحلي العالمي في الربع الأخير من عام 2021.
السيناريو الثاني وهو الأكثر تشاؤمًا، يعاود الفيروس الظهور بأطوار مختلفة لا تستجيب بشكل فعال للقاحات الحالية، مما يؤدي إلى فترات إضافية يتباطأ فيها النشاط التجاري أو يتوقف على المستوى المحلي في كثير من الدول. ومع هذه التعقيدات،قد لا ينتعش الناتج المحلي الإجمالي العالمي حتى أواخر عام 2022.
وبتطبيق سيناريوهات الاقتصاد الكلي هذه على نموذج الطلب على خدمات ما بعد البيع للحصول على رؤى تفصيلية حول تأثير محركات خدمات ما بعد البيع الرئيسية، مثل (VMT)، سوف نجد الاتي:
في السيناريو المتفائل، نتوقع أن تنخفض عائدات خدمات ما بعد البيع حتى منتصف عام 2021 بنسبة من 5% إلى 7% في معظم بلدان العالم المتقدمة وقد تزيد هذه النسية في الدول الفقيرة نظرا لاعتماد عملاء السيارات القديمة على ورش الإصلاح الصغيرة والغير معتمدة والتي غالبا تقوم باستخدام قطع غيار غير أصلية.
وأما في السيناريو الأكثر تشاؤمًا، سيظل، السفر الخاص والتجاري منخفضًا لفترة أطول، مما يبقيVMT منخفضًا. ونتيجة لذلك، ستكون إيرادات عام 2021 أقل بنحو 12% إلى 17%.
في كلا السيناريوهين، قد تشهد مبيعات قطع الغيار والكماليات الخاصة بتحسين الأداء - أكبر انخفاض حيث يتوقع أن تنخفض بنسبة تتراوح بين 10%و25% في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، وطبعا بنسبة أكبر في الدول الفقيرة.
-
ماذا عن المستقبل: الرياح المعاكسة والرياح الخلفية والتحولات الهيكلية؟
على الرغم من أن شركات السيارات تركز بشكل أساسي على الأزمة الحالية، فقد أردنا أيضًا أن ننظر في الآثار المتوسطة والطويلة الأجل للوباء. ما هي التحديات التي من المحتمل أن يواجهاقطاع خدمات ما بعد البيع في عام 2021 وما بعده؟ متى سيعود الطلب إلى مستويات 2019؟ وهل سيغير الوباء بشكل دائم هيكل الصناعة وألياتها؟
في ملاحظة أكثر تفاؤلاً، يمكن أن تخلق الأزمة بعض الرياح الخلفية طويلة الأجل للطلب على خدمات ما بعد البيع خاصة أذا استمر الفيروس في التحور وظهور أطوار أخرى منه.
أولاً، من المرجح أن تحل المركبات الشخصية محل وسائل النقل العام للعديد من المستهلكين لأن خطر العدوى يفوق الاعتبارات المتعلقة بالتكلفة والراحة. وقد تدعم أسعار الوقود المنخفضة - إذا استمرت - هذا التحول.
ثانيًا، من المرجح أن يزداد متوسط عمر السيارة لأن الضغوط الاقتصادية تجبر المستهلكين على تأجيل شراء السيارات الجديدة. وقد لوحظ هذا الاتجاه خلال الأزمة المالية من عام 2007 إلى عام 2009، حيث بدأ بزحف تدريجي في عمر السيارة ثم تسارع لرفع المتوسط لمدة عام كامل في الولايات المتحدة على سبيل المثال. إذا تكرر هذا النمط خلال أزمةالوباء الحالي فإن الزيادة في عدد السياراتالقديمة قد تزيد من الحاجة إلى الإصلاحات.
إلى جانب مستويات الطلب، من المرجح أن يتغير الهيكل الأساسي لصناعة خدمات ما بعد البيع على النحو التالي:
-
عدد السيارات في السوق ((UIO: تعتبر السيارة هي المحرك الأساسي لأداء ما بعد البيع كل عام، حيث تمثل حوالي 45% إلى 50%من عوامل نمو أو انخفاض مبيعاتها. لقد كان معدل مبيعات السيارات الجديدة يمثل من6% على 10%سنويا،ويختلف هذا المعدل من منطقة إلى أخرى، وسيؤدي الوباء إلى تعطيل هذا التدفق السنوي. سيختلف التأثير حسب قنوات البيع: مؤقتًا، ستنخفض عائدات خدمات الصيانة الدورية حيث سينخفض عدد السيارات الخاضعة للضمان. ومن المحتمل أيضا أن ينخفض حجم سوق خدمات ما بعد البيع في عام 2025 لأن الوباء قد قلل بشكل حاد من مبيعات السيارات الجديدة،بالإضافة الى زيادة عدد السيارات الكهربية في الأسواق وبالتالي يقل عدد السيارات التي تحتاجالى خدمات ما بعد البيع في خمس سنوات.
التجارة الإلكترونية والقنوات الرقمية: لقد تحول العديد من المستهلكين والشركات بالفعل إلى التجارة الإلكترونية لشراء قطع الغيار، وقد يستمر هذا الاتجاه في الزيادة. وذلك،لابد أن يقدم أصحاب القرار في خدمات ما بعد البيع نماذج بيع مماثلة–بحيث يكون لهم القدرة على إجراء عمليات شراء لقطع الغيار عبر الإنترنت ثم توفيرها للعملاء بشكل سريع وبسعر مناسب. قد يؤدي هذا التزايد في عمليات الشراء عبر الإنترنت إلى خلق فرص لنماذج أعمال جديدة أو خيارات خدمة مميزة للعملاء.
-
الموردين: ستتغير سلسلة التوريد لخدمات ما بعد البيع لأن شركات تصنيع السيارات سوف تتفاوض على أسعار ومدة توريد أقل. كما سينخفض الاستعانة بمصادر واحدة لأن الحاجة إلى تأمين الإمداد تفوق تكلفة المصادر الثانية وهذا من أهم الدروس التي تعلمتها شركات تصنيع السيارات من الأزمةكما ذكرنا في المقالة السابقة.
-
أليات التصنيع: من المرجح أن تتسارع وتيرة الاعتماد على تحويلخطوط الانتاج ومراكز التوزيع ومستودعات قطع الغيار إلى الأنظمة الأليةكنوع من احتياطات السلامة ضد الاضطرابات الصحية للقوى العاملة، وتمكين التباعد المادي بين الموظفين، وتقليل مخاطر العدوى الجديدة.
-
تفضيلات المستهلك: قد يتطلب التغيير في تفضيلات المستهلك عروض خدمة جديدة من أصحاب القرار في خدمات ما بعد البيع. قد تظهر فئة جديدة من المستهلكين الذين يفضلون مبدأ"افعل ذلك بنفسك"(DIY). ولكن سيكون تأثير الارتفاع المحتمل منDIY محدودًا، لأن ليس كل المستهلكين قادرين على إصلاح المركبات بأنفسهم خاصة ذات التقنيات الحديثة. الأجيال القادمة من السيارات وتقنياتها ستقلل من هذا الاتجاه.
-
تغيير تفضيلات سفر المستهلك: قد تؤدي زيادة استخدام السيارات الخاصة إلى تعزيز(VMT)حيث يتجنب الناس وسائل النقل العام أثناء تنقلاتهم. قد يكون لدى العديد أيضًا تفضيل متزايد للسفر بالسيارة، بدلاً من السفر بالطائرة أو القطار (إذا كانت مسافات السفر تسمح بذلك) ولكن سيكون تأثير ذلك واضح في البلدان المتقدمة والغنية في حين لن يكون له تأثير واضح في البلدان الفقيرة.وفي حالة انخفاض مبيعات السيارات الجديدة، فإن هذا التغيير في التفضيل يعني استخدامًا مطولًا للسيارات الحالية وبالتالي ينعكس إيجابا على عائدات خدمات ما بعد البيع.
-
المنافسة: قد يتغير المشهد التنافسي، لأن الضغوط الاقتصادية قد تجبر بعض مراكز الخدمة الصغيرة والموزعين على الخروج من السوق وهذا قد يحدث في الدول المتقدمة. أما في الدول الفقيرة فقد يحدث العكس فقد يبتعد العديد من المستهلكين عن مراكز الخدمة المعتمدة وإصلاح سياراتهم في الورش الصغيرة لوجود فرق شاسع في التكلفة بينهم لصالح الورش الصغيرة. كما أن زيادة أعمار وأعداد السيارات المستعملة سوف يقلل الحاجة لاستخدام قطع الغيار الأصلية.
ولذلك من المتوقع أن تشتد المنافسة بين مراكز الخدمة للموزعين المعتمدين لجميع الماركات لخفض تكلفة التشغيل قدر الإمكان وتقديم خدمات مميزة لجذب أكبر عدد ممكن من العملاء. كما قد تلجأ بعض شركات صناعة السيارات لعقد تحالفات فيما بينها وكذلك مع مورديها لتصدير قطع غيارهاإلى موزعيها المعتمدين بمستوى جودة وأسعار أقل من قطع الغيار الأصلية.
وبعد الأخذ في الاعتبار جميع الرياح المعاكسة والرياح الخلفية، جنبًا إلى جنب مع التغييرات الهيكلية المتوقعة،فأنه من المحتمل أن تستغرق الولايات المتحدة وأوروبا بعض الوقت للعودة إلى مستويات عام 2019 ومن المتوقع أن يستمر عدد السيارات في الصين في النمو الهائل الذي شهدناه خلال السنوات القليلة الماضية، مما قد يخفي تأثير الانخفاض في مناطق أخرى على سوق خدمات ما بعد البيع. وبشكل عام، سيكون لانخفاض عائدات خدمات ما بعد البيع تأثير سلبي واضح على ربحية مصنعي السيارات والموردين لهذه الصناعةنظرًا لأنه يمثل جزءًا كبيرًا من إيراداتهم. إلا أن هذا الانخفاض سوف يوثر بشكل متفاوت نسبيا على مراكز الخدمة المعتمدة وذلك حسب مقدرة الإدارة على تقديم خدمات متميزة للحفاظ على أكبر عدد من العملاء.
الجزء الاول
http://auto.ahram.org.eg/News/76980.aspx