في رحلاتي المتعددة لمصر العليا في الجنوب أتتبع أهل المدينة في كرمهم الحاتمي الذي يزداد كلما تبحرت جنوبا، واستقبالهم الحار لكل زائر أيّا كان، وإصرارهم على أداء واجب الضيافة . أشعر معهم بالحميمية المتبادلة حيث أنني واحد، منهم وُلدّتُ على هذه الأرض الطيبة "قنا" التي أعاود زيارتها كلما عاودني الحنين إلى الجذور،
وأدلف الى الأقصر التي كانت تتبعها ، وأعيش بين أهلي وناسي لحظات أستمتع بها تاركا سيارتي طوال فترة إقامتي .. لا أستقل التاكسي ، لكنني أختار "الحنطور" إحدى وسائل المواصلات التراثية والتى كانت وسيلة الانتقال الوحيدة حتى الثلاثتنات من القرن الماضي امتداداً للفراعنة ، أستعيد معه الاقصربلدنا أغنيةالعزبي مع فرقة رضا على إيقاع حوافر الخيول ، لأجلس الى جوار "الأسطى" عوض قائد المركبة البدين واستمتع بحواري معه، ليحكي لي أنه ورث هذه المهنة من والده حيث بدأ حياته معه في تحضيرالعربة وتنظيفها وإطعام الحصان وتهيئته لتأمين كل ما يتعلق بالأمن والسلامة لمسيرة العمل اليومية ، مضيفا أن ذروة العمل بين العصر والمغرب .. وبعد أن ضرب "كرباج ورا" قال : تعرف يا باشا أن الباشوات والملوك هم الذين كانوا يستقلونها حتى اقتحمت السيارات المجال ، فانقرضت هذه المهنة وتحوّل الحنطور الى وسيلة ترفيه يقبل عليها ويستمتع بها السائحون .. لذلك تنشط تلك "المركبة" في المواسم السياحية الشتوية والصيفية من كل عام ، ولم لا ، وهي المدينة السياحية الأولى فى العالم .
لفت نظري أن الأسطى عوض لايزال يحافظ على ارتداء الزي الصعيدي محافظا على "لفّة العمّة" المميزة لشخصيته المعتدة الواثقة يقود الحنطر ب"مَعْلَمة" تشعر معها بأنه الفارس الشعبي .