لو كان الفنان فؤاد المهندس بيننا الآن لاختار أحداث ووقائع هذا التحقيق جزء ثانى لفيلمه الشهير "أرض النفاق" فى المشهد الشهير وهو يتحدث مع "عويجة افندى " أو الفنان حسن مصطفى عن الدوسية المكتظ بمئات المخاطبات الرسمية على مدار سنوات بخصوص "شنكل " نافذة بمقر الشركة.
فوقائع القصة التى تتوالى أحداثها فى السطور التالية، هى نموذج لإضاعة الجهد والوقت والمال فى دواوين الحكومية، فى المخاطبات الرسمية، والصادر والوارد، ولجان مختصة وأخرى غير مختصة، نيابة إدارية، وأخرى عامة و......الخ.
بسبب سيارة ملاكى حكومية كانت فى حاجة إلى مبلغ 7000 جنيها لإصلاحها، ولكن الروتين تسبب فى تركها 7 سنوات بلا صاحب أو مسئول حتى تحولت إلى خردة، وذلك لحين انتهاء التحقيقات الإدارية للوصول إلى الفاعل دون جدوى.
خيوط القصة، بدأت يوم 7 يوليو 2011 من داخل قسم شرطة سيدى جابر بالإسكندرية بتحرير المحضر رقم 11481 لسنة 2011 بحادث سير للسيارة رقم 568 ع ه د التابعة لإدارة المركبات بالهيئة العامة للطرق والكبارى، حيث قام المهندس سمير بسطاويسى مدير الإدارة وقتها بعمل معاينة للسيارة وإخطار الشئون القانونية بالهيئة للتحقيق فى الموضوع لمعرفة المتسبب فى الحادث، حيث ظلت المكاتبات تتوالى بين الطرفين مابين خطاب رسمى صادر وآخر وارد، بخصوص السيارة دون التوصل للمتسبب عن الحادث حتى خرج الأستاذ بسطويسى للمعاش، وجاءت المهندسة جيهان غريب مديرا للإدارة التى لاحظت بعد عام ونصف العام من استلام منصبها وجود سيارة متهالكة فى الورشة الخاصة بإدارة المركبات تحمل رقم 568 ع ه د .
وكان قرار المهندسة جيهان هو مخاطبة الشئون القانونية بشأن السيارة فطلبوا منها إرسال بعض المستندات الخاصة بها، وهو ما تم فعلا، لتصبح الكرة فى ملعب الإدارة القانونية، التى لم تصل إلى أى نتيجة، سوى أن السيارة لها رقم قديم وهو 7740/ح، ولكن أثناء تجديد رخصة السيارة تم تغيير الرقم إلى 568 ع ه د، وعمل لوحات جديدة، وذلك قبل وقوع الحادث، حيث كان المسئول عن قيادتها وفى عهدته المدعو قطب طه الذي توفى عام 2013 وأنهيت خدمته بقرار من رئيس مجلس إدارة الهيئة .
واستمر الوضع على ما هو عليه حتى يونيو2014، حينما، تحفظ تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات على وجود سيارة متهالكة بأرض الورشة بالهيئة، ،فوجه رئيس الادارة المركزية للشئون المالية والإدارية بالهيئة خطاب رسمى لرئيس الإدارة المركزية للشئون القانونية بخصوص ماجاء فى تقرير مراقب جهاز المحاسبات عن السيارة، وعلى فور اشر رئيس الإدارة القانونية بتكليف سعيد سالم –عضو الإدارة المركزية للشئون القانونية بهيئة الطرق والكبارى ببحث موضوع السيارة، حيث تبين له وللمرة الاولى ان السيارة كانت معارة للإدارة العامة لمرور الاسكندرية عن طريق ادارة المركبات، وان الذى كان يقود السيارة وقت الحادث هو مجند بإدارة مرور الاسكندرية، حيث كان الحادث عبارة عن تصادم سيارتين مع السيارة 568 ع ه د، وان الخطأ ناتج من السيارة رقم 8425 س ل ص ملاكى، والتى كانت تسير بسرعة شديدة جدا فى الاتجاه المعاكس فاصطدمت بسيارة ثالثة برقم 29691 جمرك الاسكندرية .
وتوالت المفاجآت بخصوص هذه السيارة المتهالكة والملقاه بلا صاحب فى ورش هيئة الطرق والكبارى، حيث إن السيارة لها ملف تحقيق بالشئون القانونية تحت رقم 66 سيارات، وبالاطلاع على الملف اتضح وجود مكاتبات بين الشئون القانونية وإدارة المركبات، ولم يتبين هل تم إبلاغ النيابة الإدارية فى الأمر بالكامل أم لا، وعلى ذلك لم يتم اتخاذ أي إجراءات جدية فى الأمر ملف السيارة طوال السنوات الماضية .
ثم كانت مفاجئة الثانية وهى العثور على ملف السيارة والحادث بحجرة الحفظ، دون معرفة كيف دخل الملف إليها قبل انتهاء الإجراءات فيه، حيث إن مسئول عن الملف هو الأستاذ أحمد الغمارى عضو الشئون القانونية .
ثم المفاجئة الثالثة وهى أن النيابة العامة قيدت الحادث ضد محمد تاج الدين قائد السيارة رقم8425 ملاكى الإسكندرية، وانتهت النيابة فيها إلى أن الحادث خطأ منه، وقضت المحكمة بالحبس 3 شهور شغل وغرامة 300 جنيها، وفى محكمة الاستئناف تم تعديل الحكم فى إبريل 2012 الى الحبس شهر واحد، وتم وقف تنفيذ العقوبة وقررت الشئون القانونية رفع دعوى ضد سائق الملاكى باعتباره المتسبب فى الحادث، وهو ما لم يحدث، فى حين كانت المفاجئة الرابعة هى وجود طلب فى الأوراق مثبت فيه أن المتسبب فى الحادث طلب التصالح مع الهيئة على أن يقوم بتوريد قيمة الإصلاح، إلا أنه بالبحث فى الأوراق مرة أخرى تبين وجود خطاب آخر بالرد على خطاب عرض إصلاح السيارة على حساب المتسبب فيها بعدم وجود أى طلبات بذلك من الشخص المتسبب فى الحادث، ولم يتم موافاة الشئون القانونية بهذا الخطاب، الوارد من شخص مجهول العنوان بالنسبة للشؤن القانونية .
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد دخلت النيابة الادارية على الخط للتحقيق فى الامر، لتكتشف مفاجئة أخرى جديدة، وهى أن السيارة كانت معارة من إدارة المركبات لإدارة الموازين بإدارة الطرق السريعة لخدمة أغراض الميزان، حيث كانت مخصصة لضابط الشرطة الذى يعمل على الميزان والمنتدب من إدارة المرور .
ومع تحقيقات النيابة الإدارية، ظهر اسم المهندسة هدى أحمد على –مدير عام الهندسة والميكانيكا بهيئة الطرق، التى اعترفت بأنها أعدت خطابا رسميا عام 2011 لمدير ادارة المركبات وقتها المهندس بسطاويسى، الذى أبلغها بان المتسبب فى الحادث يريد التصالح مع الهيئة، ولكن المتسبب فى الحادث كان غير جاد، كما أن إصلاح السيارة متوقف على انتهاء الشئون القانونية من التحقيقات، لأنه لو كان المتسبب فى الحادث من العاملين بالشركة لتم خصم التلفيات من راتبه الشهرى، وإخطار الشئون القانونية، حيث إنه لا يمكن إصلاح السيارة من أموال خزينة الدولة ثم الرجوع على المتسبب لان الجهاز المركزي للمحاسبات سوف يعترض ويحيل المسئولين للتحقيق لإهدار أموال الدولة، حيث كشفت المهندسة /هدى عن مفاجئة جديدة للمرة الاولى وهى ان السيارة ليست تابعة لادارة تشغيل السيارات بادارة التحصيل والموازين بالطرق السريعة، لأنه فى الحقيقة السيارة معارة من إدارة المركبات بهيئة الطرق لمرور الإسكندرية.
وتتواصل التحقيقات ومعها المفاجآت عن حكاية أغرب حكاية لسيارة حكومية، فالسيارة تم عمل محضر فحص ومعاينة فى 20 يناير 2016 انتهى إلى تخريد السيارة لعدم جدوى إصلاحها، رغم أن تكاليف إصلاحها تقدر بحوالى 7000 جنيها، والقيمة الدفترية للسيارة 65 ألف جنيه، وكان يمكن اصلاحها بعد الحادث مباشرة، ولكن الآن أصبحت خردة بشكل نهائى اعتبارا من 28 اغسطس 2017، بسبب تركها فى الورشة كل هذه السنوات، ولم يكن أمام قرر لجنة تحقيقات النيابة الادارية فى نهاية المطاف سوى إحالة المهندس /بسطويسى مدير الادارة، والمهندسة هدى مدير عام الهندسة، والمهندس محمد سعيد مدير إدارة المركبات بالهيئة للمحاكمة أمام المحكمة التأديبية لمستوى الادارة العليا، ولكن المفاجئة الأشد فى حكاية السيارة التائهة فى دواوين الحكومة أن كل المتهمين أصبحوا على المعاش الآن.. بعدما استغرق الأمر 7سنوات تحقيقات، ومخاطبات، وتقارير، ومراسلات، واجتماعات لجان، ....الخ