لست من هواة القيادة في شوارع قاهرة المعز.. وأعترف أني لست من المحظوظين في عالم السيارات على الإطلاق.. فلقد اضطررت إلى أن أتخلص من سيارتي "الزيرو" قبل أن تتحول إلى قطعة مميزة من الخردة.. فلقد أصابها ما أصابها من كدمات وخدوش وحوادث شوهت مظهرها وهيئتها سواء أثناء القيادة.. أو حتى وهي "مركونة" في الجراج. فوجدت نفسي ألجأ إلى سيارات الأجرة لقضاء مشاوري المتعددة.. ولفت نظري أن السواد الأعظم من السيارات الأجرة بها عددات معطلة عمدا وكأن هناك وباء أو فرة قد أصابتها جميعا.
والغريب أنه عند سؤالي لكل قائدي سيارات الأجرة عن السبب.. أتلقى إجابات وحجج واهية عبر وجوه بشوشة غاية في البراءة تنتهي بالرد المتكرر: "حضرتك ده مشوارك.. وأكيد أنت عارف بتدفع كام".. وكأنه سيناريو معد سلفا في أحد أفلام السينما المصرية..
وكأن أدوية الصداع تصرف مجانا في الصيدليات.. أجد نفسي غارق في حوار ذو شجون يشجي به السائق أذاني حول مشاكله الشخصية.. وغلاء المعيشة.. وفشله في تغطية مصاريف البيت والتاكسي.. شكوى عقيمة تصيبك بالصداع هدفها الوحيد هو استعطاف قلبك وإثارة عطاءك وكرمك الطائي حتى تغدق السائق بكل ما في جيبك من نقود.
المشكلة الحقيقية أنه عند وصولي لنهاية الرحلة يتحول السائق الكادح المغلوب على أمره - والذي بدأ رحلته بابتسامه عريضة غطت وجهوه السمح البشوش - إلى "معـدِدَه" تكشر عن أنيابها.. لتلعن بصوتها الجهوري العيش والعيشة واللي عايشنها.. فيتجمهر ويتجمع حولنا كل من في الشارع.. حتى ينتهي الموقف بدعوتين "فلاحي" أمثال.. أنا مش مسامح في حقي.. روح يا شيخ منك لله.. حسبي الله ونعم الوكيل..
لكن على النقيد تمام نجد من السائقين من يستخدمون العداد بكل أمانه وشرف.. فتجد يده تمتد فورا نحوه لتديره بضغطه بسيطه على زر التشغيل.. لتجد الأربعة جنيهات منوره العداد.. والتاكسي.. بل الدنيا كلها.. لكنك تتفاجيء بعد أقل من دقيقة واحدة بأن العداد تتناثر وتتطاير منه الأرقام تباعا بسرعة عدائي سباق المائة متر في ألعاب القوى.. لتكتشف أنك قد وقعت في شرك نصاب انتهازي أو "شيخ منصر" أخطر من نموذج "المعـدِدَه".. لكنه مستتر في صورة قائد تاكسي.. وهنا تتأكد أن الفرة التي أصابت غالبية العدادات قد تتطورت وأصبحت أكثر شراسة وضراوة.
وأنا أجد أن هذا الوباء قد تخطى كل الحلول الممكنة لدى الإدارة العامة للمرور حتى بعد تعديل تعريفة العدادات.. لذلك ألتمس من السيد وزير الصحة بأن يتدخل شخصيا للوقف على إيجاد المصل المناسب لعلاج هذا الوباء المتفشي.. وزيادة الوعي الصحي لدى الشرفاء من سائقي التاكسي قبل أن تصاب عداداتهم بهذا الفيروس ليحافظوا على الجملة التي تزين الزجاج الخلفي لسيارتهم.. "العين صابتني ورب العرش نجاني!.