منذ ثلاث سنوات عندما قرر إيلون ماسك أحد مؤسسو والرئيس الحالي لشركة تسلا الأمريكية لصناعة السيارات الكهربائية البدء في إنشاء أكبر مصنع في العالم لصناعة بطاريات الليثيوم أيون Gigafactoryفي صحراء نيفادا علي مساحة تسع 95 ملعب كرة قدم ومغطي سقف هذا المصنع بالكامل بالواح فوتوفولتك ليستمد طاقته التشغيلية من الطاقة الشمسية .
في ذلك الوقت أعتبر السيد يامادا نائب رئيس شركة باناسونيك أن هذه فكرة مجنونة أو بمعني أخر غير مجدية اقتصاديا !.. وتتحالف تسلا مع شركة باناسونيك اليابانية لتصنيع خلايا البطاريات وهي إحدى الشركات الرائدة في العالم في تكنولوجيا وصناعة نظم تخزين الطاقة.
لكن في يوم 30 يوليو 2016 وعند افتتاح المرحلة الأولي التي تمثل 17% من حجم المشروع، وبعد حجوزات وصلت إلى أربعمائة ألف سيارة تسلا كهربائية (موديل 3) الجديدة.. أقر السيد يامادا إنه كان علي خطأ وإن هذا المشروع سيغير العالم كما قال إيلون ماسك!.
من المعروف إن إستراتيجية الاستثمارات لشركة تسلا لا تقتصر علي صناعة السيارات الكهربائية فقط بل تستثمر بقوة الآن في صناعات النقل المتقدمة وتكنولوجيا نظم تخزين الطاقة لكي تنتج مستقبلا أنظمة ذكية لتوليد وتخزين الطاقة النظيفة وتسمي هذه الأنظمة Wall &Power Pack Powerمستخدما فيها بطاريات الليثيوم ايون والتي سيتم شحنها من الطاقة الشمسية وستستخدم هذه الأنظمة ذات الجدوي الاقتصادية العالية لإمداد المنازل والشركات والمصانع بالطاقة الكهربائية.
وتأتي استراتيجية شركة تسلا الطموحة لكي تصب مباشرة في التوجه العالمي في صناعات قطاع النقل بصفة عامة وصناعة السيارات بصفة خاصة بهدف تحسين اقتصاديات الوقود والحد من الاعتماد علي الوقود المستخرج من النفط ولتقليل رقعة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئةGHGالمسببه لمشكلة الاحتباس الحراري.
وتعد السيارة (موديل 3) من تسلا أرخص سيارة كهربائية في فئتها بسعر 35 ألف دولار ويمكنها قطع مسافة 340 كيلومتر بشحنة واحدة للبطارية.
ويطمح ايلون ماسك من خلال هذا المشروع الهائل أن يهبط بسعر الكيلوات ساعة للبطارية إلى 100 دولار بحلول عام 2020 مستبقًا طموحات شركة جنرال موتورز للوصول إلى هذا السعر في 2021.
وفي كل الأحوال إذا تحقق هذا السعر سوف تكون هنالك ثورة وتحول كبير في صناعة النقل و السيارات الكهربائية في العالم تماثل الثورة التي حدثت في قطاع الاتصالات عند ظهور الهواتف الذكية وقد نستيقظ يوما خلال السنوات القليلة القادمة ونحن نري سيارات كهربائية غير ملوثة للبيئة تسير في شوارع مصر مثلما فوجئنا جميعا في مصر بوجود أحدث تكنولوجيا للتنقل في العالم ذات الكلفة المنخفضة وهي Mobility on Demandمن خلال تطبيقات شركة أوبر العالمية التي أغضبت سائقي التاكسي الأبيض و أرضت الكثير من العملاء في مصر !!.
ومن المعروف عالميا إن البطارية هي أهم مكون في السيارة الكهربائية لإنها تمثل من 30% إلى 40% من سعر السيارة الكهربائية، وأن ارتفاع سعرها يعد من أكبر التحديات التي تعيق انتشار السيارات الكهربية في العالم حتي الآن بجانب تحديات تكنولوجية أخري كثيرة منها كيفية استيعاب أكبر كثافة للطاقة المخزنة في البطارية(مع مراعاة وزن وحجم البطارية) لقطع أكبر مسافة ممكنة في شحنة واحدة أو بمعني أخر دون الحاجة إلى توقف السيارة لإعادة شحن البطارية.
وتعد الطفرة الهائلة في مبيعات السيارات الكهربائية والهجينة في العالم بتحقيق أكثر من نصف مليون سيارة في 2015 مؤشرا مهم يؤكد على بدء نضوج هذا النوع من السيارات تجاريا.
وباستمرار التقدم التكنولوجي في قطاعات أخري وبانخفاض سعر البطارية فإنه من المتوقع أن يصبح سعر السيارة الكهربائية مساو أو أرخص من سعر السيارات التي تدار بالوقود ICEالمستخرج من النفط.
وقد صدرت تقارير بحثية نشرت في موقع بلومبيرج مؤخرا تؤكد ذلك بل وتحذر من أن الانهيار الثاني والقادم لأسعار النفط سيكون سببه انتشار السيارات الكهربائية بحلول عام 2023.
هذا جزء بسيط من إحدى المحطات الحديثة جدا لقطار التقدم التكنولوجي فائق السرعة في تطور صناعة السيارات في العالم، ومازلنا نحن في بلدنا الحبيب مصر ننتظر منذ زمن في محطة البحث بالفكر المحلي التقليدي لوضع إستراتيجية للنهوض بصناعة السيارات.
وبالفكر المحلي أيضا نبحث في تحديد نسبة تصنيع المكون المحلي وفي كم سنة سنصل إلى هذه النسبة ؟ كما لو أن هذا القطار سينتظرنا.. رغم إننا في الواقع لا نمتلك أصلا تكنولوجيا صناعة هذا المكون ولا يوجد لدينا مراكز R&Dمتقدمة تعمل علي تطوير هذا المكون ليلحق بهذا القطار الذي لن ينتظر احد.
ولا يخفي علي أحد أنه يوجد لدينا شح في الكفاءات الإدارية ذات الخبرة العالمية و العمالة الماهرة المدربة لإدارة وتشغيل مصانع إنتاج هذا المكون وذلك نتيجة لسوء التعليم.
ناهيك عن بيئة ستكون حاضنة لتصنيع هذا المكون لديها ورث ثقيل من العقود الماضية ملئ بالمشاكل الاقتصادية والبيروقراطية والفساد مع عدم وضوح رؤية للسياسة النقدية.
كل ما سبق من تحديات -ولا أقول معوقات- يمثل في النهاية حقيقة واحدة إن هنالك مناخ غير جاذب في بلدنا مصر أم الدنيا لأم الصناعات وهي صناعة السيارات.
وبالرغم من ذلك مازلنا نسمع منذ سنوات طويلة من بعض المسئولين وخبراء صناعة السيارات في السوق المحلي تصريحات وكلام مكرر، وهو أن مصر مؤهلة وتمتلك الإمكانيات لتكون مركزًا مهمًا لصناعة السيارات في العالم، مثل الموقع الجغرافي الذي هو في قلب خريطة العالم وهو حقيقة وبالطبع أفضل من مواقع اليابان و جنوب أفريقيا اللتان تقعان علي أطراف خريطة العالم !!.
ولكن أين هاتين الدولتين وأين نحن من صناعة السيارات؟ويقال أن مصر لديها سوق سيارات كبير أضعاف سوق المغرب (120الف سيارة)ولكن المغرب في غضون السنوات الخمس الأخيرة أصبحت تتربع علي عرش صناعة السيارات والمكونات بلا منافس في الوطن العربي وشمال أفريقيا بوصولها إلى إنتاج 288 ألف سيارة في 2015.
وتطمح في إنتاج مليون سيارة في السنوات القليلة القادمة وتحقيق عائد 10 مليار دولار بحلول عام 2020 وذلك من صادرات صناعة السيارات و المكونات إلى أوروبا وإفريقيا بما فيها مصر!
ورغم كل التحديات الاقتصادية والأمنية و الاجتماعية التي تواجه مصر الآن مازال هنالك أمل كبير في أن تنهض هذه الصناعة في مصر ولكن ليس بالتفكير المحلي التقليدي الذي من خلاله لم نحسن استخدام مؤهلاتنا التي حبانا الله بها.
ولكن ستنهض هذه الصناعة بإرادة قومية حقيقية وإدارة محترفة بعيدة عن أي مصالح شخصية، وهذا الأمل موجود بقوة لو نظرنا إلى تجارب نماذج دول أخري مرت بظروف اقتصادية أقسي وأسوأ بكثير من ظروفنا الحالية، مثل إيران التي تمكنت من الوصول إلى إنتاج حوالي مليون سيارة بالرغم من قسوة الحصار الاقتصادي عليها.
وتركيا التي تنتج 1.3 مليون سيارة بالرغم من التقلبات السياسية العديدة التي عاصرتها وتعاصرها الآن، وأندونيسيا التي تنتج أيضا مليون سيارة الآن والتي كان اقتصادها منهار ووصل التضخم فيها في أواخر التسعينات إلى ألف في المئة وفقدت عملتها أكثر من 80% من قيمتها واستدانت من صندوق النقد الدولي حزمة إنقاذ بقيمة 43 مليار دولار(أضعاف ما ستقترضه مصر حاليا من IMF).
ورغم قسوة كل هذه التحديات تمكنت هذه الدول في خلال سنوات قليلة من النهوض بصناعة السيارات لكي تدعم وتنوع اقتصادها وترفع قيمة صادرتها وتخفض نسب البطالة لديها.
ولا شك أن القيادة السياسية في مصر الآن لديها إرادة للنهوض بصناعة السيارات ولكن هذا لا يكفي لأنها يجب أن تصبح إرادة قومية من كل فئات الدولة.
ويجب علي هذه القيادة أن تعين خصيصًا إدارة عالمة وذات خبرة عالمية تتولي مسئولية هذا الملف بوطنية خالصة بعيدة تماما عن الفكر المحلي ومعزولة عن ألد أعداء الصناعة وهم البيروقراطية والفساد وروتين المشاكل اليومية.. علي أن تقدم هذه الإدارة للقيادة السياسية والحكومة (خارطة طريق للنهوض بصناعة السيارات محددة بجدول زمني للإنجاز تحاسب عليه بصفة دورية).
خلاف ذلك لن تنهض صناعة السيارات في مصر بالفكر المحلي التجميعي الذي فشل في رفع صادرتنا في هذا القطاع وأصطدم بالاتفاقية الأوربية لتفوز السيارة المستوردة من أوروبا في السوق المصري عن مثيلاتها المجمعة محليا قبل حلول عام 2019ً (صفر جمارك) وبالتالي ستزيد فاتورتنا الإستيرادية لتلتهم المزيد من إحتياطي العملة !! رغم إن هدف الاتفاقية كان عكس ذلك !!