" الحاجة أم الإختراع " هذا القول المأثور القديم يتجدد مع كل فكرة جديدة تطرأ على بال الموهوبين ، إذ لاتوجد موهبة من فراغ ، وإنما يقف وراء كل موهوب مطلب أو حاجة تدفعه إلى البحث عن البدائل التى يصل بها إلى غايته ويحقق هدفه.
أحد هؤلاء الموهبين سيد دسوقى وهو رجل يعمل محاسبا بمؤسسة كبرى يعانى من شلل الأطفال الذى حاربه بضراوة لدرجة أنك إذا رأيته لا تصدق أنه مصاب بهذا المرض وكان يملك سيارة للمعاقين حصل عليها عن طريق البند الذى يعفى ذوى الحالات الخاصة من الجمارك لكنه يظل اسيرا لتجار الاستيراد من الخارج.
لم يمض شهر ونصف الشهر على اندلاع ثورة 25 يناير 2011 حتى سرقت سيارته وأخيرا تمكن من الحصول على موافقة بشراء سيارة جديدة، وهنا جاءت فكرته أو مغامرته التى يرويها بكل التفاصيل ليكون أول مصرى يسافر إلى الخارج لكى يشترى سيارة.
يقول سيد دسوقى يوم 9 مارس 2011 يوم لا أنساه فهو اليوم الذى سرقت فيه سيارتى المجهزة طبيا بسبب الإنفلات الأمنى الذى أعقب ثورة 25 يناير، سرقت ولم يكن مر على شرائها سوى عامين وحزنت عليها حزنا شديدا لقيمتها المادية وصعوبة تدبير مبلغ اخر لشراء سيارة بديلة إذ أننى أعتمد عليها فى تحركاتى وذهابى للعمل وخلافه وقد حررت محضرا بقسم الشرطة لكن بلا فائدة.
كان ربى لطيفا بحالى حيث أدركت باب التعويضات الذى أقرته الدولة ممثلة فى وزارة المالية قبل إغلاقه بـ 6 أيام فقدمت المستندات المؤيدة لحالتى وتم تعويضى بجزء من قيمة السيارة ثم تقدمت لوزير المالية بعدة طلبات للسماح لى بشراء سيارة أخرى بدلا من التى تمت سرقتها فجاء الرد بالرفض فقرار وزير المالية واضح وصريح ولا لبس فيه ولا أستثناءات لمثل حالتى أو غيرها فلابد من مرور خمس سنوات كاملة بدءا من تاريخ الشراء ليحق لى عمل كومسيون طبى للحصول على تصريح بشراء سيارة جديدة.
كان على أن أتحمل نتائج سرقة سيارتى بلا أى اعتراض، وصدرت لى موافقة بالحصول على السيارة فى 16/3/2015 لكن لم استطع الذهاب إلى بورسعيد لشراء سيارة اخرى لعدم قدرتى المالية ونظرا للضائقة المالية التى أمر بها وفكرت توفيرا للنفقات أن أستورد سيارتى من الخارج ونظرا لعدم وجود أقارب أو معارف لى بالخارج فقد فكرت فى السفر بنفسى كأول معاق يستورد بنفسه ولنفسه سيارة دون وسيط.
لكى لا أتحمل تكاليف الرحلة وحدى طرحت فكرتى على بعض الزملاء والمعارف من المعاقين بأن أسافر لكوريا الجنوبية واشترى سيارات لنا جميعا على أن نتشارك سويا فى تكاليف الرحلة، ولاقت الفكرة إستحسان البعض وتخوف البعض الآخر وبدأت فى البحث لأعد نفسى بالمعلومات اللازمة لخوض المغامرة فسعيت لتكوين صداقات مع بعض المصريين الذين يعملون فى كوريا.
وإنضممت لبعض " الجروبات" الخاصة بهم عن طريق مواقع التواصل الأجتماعى وأمضيت 11 شهر استعد ماديا واجرائيا لمعرفة أماكن الإقامة وأسواق بيع السيارات فى كوريا واللغة المستخدمة فى التعامل هناك وكذلك حالة الطقس خلال فترة الرحلة بالإضافة لنوعية الملابس والأطعمة المناسبة لنا كمصريين وكانت الخطوة الأولى هى الحصول على تأشيرة من السفارة الكورية بالقاهرة وحجزت تذاكر السفر وفندق الأقامة لمدة 14 يوما فى الفترة من 31 يناير الى 14 فبراير 2016.
وصلت لمطار أنتشون الدولى بمدينة أنتشون ولم يكن فى إستقبالى أى شخص على الإطلاق فأستقللت تاكسيا وتوجهت من المطار لفندق الإقامة بمدينة أنتشون ويتميز هذا الفندق الذى رشحه لى أحد المصريين العاملين هناك بقربه من سوق السيارات بمنطقة السوندو بالإضافة الى إقامة عدد من تجار السيارات من بعض الدول فيه مما سهل لى التعارف عليهم وبعد وصولى بيوم واحد ذهبت بصحبة أحد المصريين الى منطقة السوندو.
هنا يوجد ثلاث أسواق للسيارات المستعملة منهم سوق رئيسى كبير عبارة عن مساحة شاسعة بها سيارات مستعملة بكافة الأشكال والأصناف والأنواع والألوان وعدد من المكاتب لبيع السيارات وكل مكتب عبارة حاوية أو " كونتنر " معدل ليصبح مكتبا مؤثثا ومكيفا لدرجة تنسيك تماما انك داخل كونتنر أو حاوية و أمامه مساحة من الأرض مخزن عليها بعض السيارات الخاصة به وهكذا معظم السوق.
على المشترى التجول داخل السوق حتى يجد السيارة التى يبحث عنها عندها يقوم بمعاينتها واذا راقت له أو أعجبته دخل للمكتب للإستفسار عن سعرها وقد يمنحك التاجر الكورى خصما يتراوح بين 50 ، 100 دولار وقد لا يمنحك أى خصم نهائيا فتسدد للتاجر قيمة السيارة المشتراه ليسلمك عقد بيع عبارة عن ورقة بسيطة بها بيانات السيارة فتذهب لتسليمها لأحد مكاتب شركات الشحن بنفس السوق وتقوم شركة الشحن بتحديد موعد لإستلام بوليصة الشحن الخاصة بالسيارة على أن تسدد قيمة الشحن والنولون فى مصر
أما عن الأسواق الثلاثة للسيارات فهى
- سوق السيارات العادية الذى تشبه الى حد كبير سوق سيارات مدينة نصر وتباع فيها السيارات التى خرجت من الخدمة فى كوريا وهى السوق الرئيسى لكل التجار من مختلف الدول ومنها مصر.
- سوق المزاد أو السوق الشفافة وهى عبارة عن مكان تتجمع فيه السيارات للمعاينة من جانب المشترين ويتم المزاد بأحدى القاعات المكيفة والتى تشبه مدرج الكلية وتعرض صور ومواصفات السيارة ويجرى فحص فنى من جانب القائمين على إدارة المزاد لدرجة أنه لو وجد بالسيارة جزء مستبدل أو مرشوش يوضح ذلك بكل شفافية وتتميز سيارات المزاد بجودتها وموديلاتها الحديثة ويقام المزاد يومان اسبوعيا الثلاثاء والجمعة من كل أسبوع.
- أسواق المعارض وهى تشبه المعارض لدينا لكنها فى كوريا كبيرة ومتعددة الطوابق وسيارات المعارض ملك افراد يتركوها بالمعرض لعرضها للبيع وتتميز بجودتها وموديلاتها الحديثة وسعرها المرتفع.
ويجمع معظم تجار السيارات سياراتهم عبر وسطاء لهم يقيمون فى كوريا بمنطقة سوق " السوندو " وهناك بعض السيارات التى يطلبها زبون معين يتم شراؤها من خارج السوق سواء من المزادات أو المعارض لحداثة الموديل أو الجودة العالية حيث أن تلك السيارات لم تخرج بعد من السوق الكورية.
ولايحبذ التجار مشاركة أحد معهم بالشحن بنفس الحاوية أو الكونتنر ويفضلون الأستقلال فى عملية الشحن
كيف تتم عملية الشراء ؟
اتفقت مع زملائى على أن أرسل لكل واحد صور ومواصفات لثلاث سيارات من النوع الذى حدده لى مسبقا على أن يقوم الزميل بإختيار السيارة المناسبة ويبلغنى لإتمام عملية الشراء.
لكن ما عشته فى الواقع عكس ذلك تماما، فالسيارات التى تدخل السوق ليتسلمها التاجر الكورى لبيعها لاتدخل بصفة جماعية أو منتظمة بل تدخل سيارة كل فترة زمنية ، والتجار ووسطاء التجار المقيمون يتجولون بالسوق بسياراتهم ذهابا وإيابا حتى اذا دخلت سيارة انقض عليها اول تاجر أو وسيط وتتبع السيارة حتى تقف أمام مكتب التاجر الكورى فيهبط التاجر من سيارته لمعاينة السيارة فإذا أعجبته بدأ بمساومة التاجر الكورى فى سعرها فإما أن يشتريها أو يتركها وهنا يدخل التاجر الآخر الذى تتبع نفس السيارة وهكذا، ولذا عندما تجد سيارة مناسبة من حيث الجودة والسعر لا تتركها وقم بشرائها فورا فهى لن تنتظرك فالوسطاء والتجار يتجولون طوال اليوم بين الاسواق للفوز بسيارة ذات موصفات جيدة وسعر مناسب
هناك نصيحة مهمة، هي أن فرق التوقيت بين مصر وكوريا 7 ساعات (9 صباحا بتوقيت كوريا يعادل 2 صباحا بتوقيت مصر) وهذا الفارق قد لايمنحك الفرصة للإتصال بزميلك لذا فمن يقتنع بفكرة الإستيراد الشخصى عليه أن يضع ثقته فيمن وكله وفوضه بالشراء ويترك له حرية اتخاذ قرار الشراء وفق اليات السوق الكورىة.
أما عن التجار فهم جنسيات مختلفة من مصر واليمن وليبيا والأردن وباكستان وغيرهم ، والتاجر المدلل الأول بالنسبة للتجار الكوريين هو التاجر الليبى لأنه يشترى كل الأنواع والموديلات مهما تكن مواصفاتها الفنية وسعاتها اللترية، عكس معظم تجار باقى الدول لأنهم يشترون وفق ضوابط دولهم لذلك فالتاجر الليبى يشترى بسعر أقل من التاجر المصرى وهذه معلومة غائبة عن بعض التجار المصريين فالمصرى يشترى أنواعا معينة من السيارات وموديلات محددة معروفة لدينا وذات سعة لترية لاتزيد عن 1600 cc.
وأما الفصال " المساومة " بين المشترى والبائع تتحرك بين 100 : 50 دولار تخفيضا فى السعر وهناك تجار لا يخفضون دولارا واحدا !
وتحققت أهداف الرحلة وأهمها:
- شراء سيارات لى ولزملائى بجودة عالية وسعر مناسب
- توفير مابين 5000 : 10000 جنيه من قيمة السيارة عن مثيلاتها لدى التجار بالمنطقة الحرة.
- محاربة غلاء الأسعار وجشع بعض التجار الذى يتعاملون مع المعاق على إنه فريسه تظهر لهم كل 5 سنوات.
- مساعدة زملائى لأن معظمهم لايعمل ومنهم من ليس له دخل يعينه على شراء سيارة والأسعار فى ارتفاع مستمر والتجار ليست لديهم رأفة أو رحمة بظروف المعاق الإجتماعية والمادية فكل مايهمهم هو المكسب برفع الأسعار أو تقليل الجودة أو كلاهما معا.
- إكتساب خبرة ومعلومات ئؤهل صاحب التجربة لتكرارها التجربة ومساعدة زملائه على شراء سياراتهم.
- التخلص من مافيا الوسطاء بداية من بوابة القومسيون الطبى وحتى بوابة المنطقة الحرة.
- ايصال رسالة للتجار الجشعيين بإننا قادرون على خدمة أنفسنا بأنفسنا وليعلموا إننا سبب فى فتح أبواب رزق لهم ولكنهم بجشعهم وملاحقتهم لنا من خلال وسطائهم من الرجال والنساء بداية من بوابة القومسيون الطبى وحتى بوابة المنطقة الحرة سنكرر التجربة ونتوسع فيها.